ما أمرتكم ولكني سقت الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله، فقال عمر: أ نخرج حجاجا ورؤوسنا تقطر؟ فقال ع: إنك لن تؤمن بها أبدا، فقام إليه سراقة فقال: فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لما يستقبل؟ فقال ع:
بل هو للأبد إلى يوم القيامة، ونزل رسول الله بمكة بالبطحاء هو وأصحابه ولم ينزلوا الدور فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلوا بالحج، وكانت قريش تفيض من المزدلفة - وهي جمع والمشعر الحرام - ويمنعون الناس أن يفيضوا منها، فأنزل الله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم من قريش، ثم مضى إلى الموقف بعرفات فوقف حتى وقع القرص، إلى آخر الحديث.
فصل:
ومما يدل على أن التمتع بالعمرة إلى الحج هو فرض الله على كل من نأى عن المسجد الحرام ولا يجزئه مع التمكن سواه - بعد إجماع الطائفة عليه - قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله. فأمره تعالى شرعا على الوجوب والفور فلا يخلو من أن يأتي بهما على الفور بأن يحرم بالحج أو العمرة معا أو يبدأ بالحج ويثني بالعمرة أو يبدأ بالعمرة ويثني بالحج، فالأول يفسد ويبطل لأن عندنا أنه لا يجوز أن يجمع في إحرام واحد بين الحج والعمرة كما لا يجمع في إحرام واحد بين حجتين أو عمرتين، والقسم الثاني أيضا باطل لأن أحدا من الأمة لا يوجب على من أحرم بالحج مفردا أن يأتي عقيبه بلا فصل بالعمرة فلم يبق إلا وجوب القسم الأخير الذي ذكرناه وهو التمتع الذي ذهبنا إليه.
فإن قيل: قد نهى عمر عن هذه المتعة مع متعة النساء وأمسكت الأمة عنه راضية بقوله.
قلنا: من ليس بمعصوم عن الفعل القبيح لا يدل على قبحه قوله بالنهي عن التمتع، والإمساك عن النكير لا يدل عند أحد من العلماء على الرضا إلا بعد أن يعلم أنه لا وجه له إلا الرضا.