الذاكرين الله لكون الله جليسهم من الاسم الواسع وفيه علم مراتب الايمان من العلم وأي الدرجات أرفع وفيه علم المفلسين وما الذي أفلسهم مع ما عندهم من الموجود وفيه علم رجوع الله على العبد متى رجع هل يختلف أو لا يختلف ولما ذا يرجع ذلك الاختلاف إن كان مختلفا هل للراجع أو لحال المرجوع إليه وفيه علم ما ينتجه التولي عن الذكر من الغضب الإلهي وفيه علم ما يغني وما لا يغني وفيه تفرق الأحزاب من أي حقيقة تفرقوا من الحقائق الإلهية وفيه علم الوجوب الإلهي بما ذا تعلق وفيه علم من ترك أحباه لماذا تركهم وما حليتهم وصفتهم وفيه علم البقاء والفوز والنجاة وكل علم من هذه العلوم الإلهية من الاسم الله لا من غيره من الأسماء ولا تجد ذلك إلا في هذا المنزل خاصة فإنه منزل مخصوص بحكم الله دون سائر الأسماء مع مشاركة بعض الأسماء فيه فهذا بعض ما يحوي عليه هذا المنزل من العلوم عيناها لك لترتفع الهمة منك إلى نيلها فتح مكاشفة من الله ثم نرجع إلى الكلام على بعض ما يحوي عليه هذا المنزل فنقول إن الله قال في كتابه إنه وضع الميزان ليظهر به إقامة العدل في العالم بصورة ظاهرة محسوسة ليرتفع النزاع بين المتنازعين لوجود الكفتين المماثلة للخصمين ولسان الميزان هو الحاكم فإلى أية جهة مال حكم لتلك الجهة بالحق وإن هو بقي في قبته من غير ميل إلى جهة إحدى الكفتين علم إن المتنازعين لكل واحد منهما حق فيما ينازع فيه فيقع له الإنصاف لما شهد له به حاكم لسان الميزان فارتفع الخصام والمنازعة والحاكم لا يكون خصما أبدا فإن نوزع فما ينازعه إلا من عزله من الحكم أو من جهل إنه حاكم ولهذا قال رسول الله ص عند نبي لا ينبغي تنازع أي لا يكون نزاع مع حضوره أو تمكن الوصول إلى حضوره فإذا فقد ظهر النزاع وادعى كل واحد من الخصماء أن الحق بيده فلو إن الله يفتح عين بصائر الخصماء لمشاهدة الحق ويعلمون أنه بالمرصاد وهو الحاكم وبيده الميزان يرفع ويخفض لم يصح نزاع في العالم فدل وقوعه أن الكل في حجاب عن الحاكم صاحب الوزن والميزان فإذا رأيت من ينازع في العالم فتعلم أنه في حجاب عن الله فإن نازع أحدهما ولم ينازع الآخر بل سكت عنه فتعلم إن الساكت عنه إما صاحب شهود أو صاحب خلق فإن كان النزاع في تعدى حد إلهي فالمنازع في ذلك صاحب أدب إلهي أو متصور بصورة صاحب أدب إلهي وهو المرائي لكنه خير بالجملة فصاحب الأدب الإلهي ما هو منازع وإنما هو ترجمان منازع والمترجم عنهم هم الأسماء الإلهية التي منها نشاء النزاع في العالم ومن أجلها وضع الميزان الشرعي في الدنيا والميزان الأصلي في الآخرة فإن المعز والمذل خصم والضار والنافع خصم والمحيي والمميت خصم والمعطي والمانع خصم وكل اسم له مقابل من الأسماء في الحكم والميزان الموضوع بين هذه الأسماء الاسم الحكم والميزان العدل في القضاء فينظر الحكم استعداد المحل فيحكم له بحسب استعداده فيجعله في حزب أحد الإسمين المتقابلين المتنازعين فإذا علمت وضع الموازين على اختلاف صورها في المعنى والحس كنت أنت عين الحاكم بها وصحت لك النيابة عن الله في كون الميزان بيدك تخفض وترفع غير إن الفارق بينك وبين الله في الوزن إن الله يرفع بالمشيئة ويخفض بالمشيئة وأنت لا أثر لمشيئتك في الوزن وإنما تزن لمن ترى الحق بيده فأنت صاحب علامة تعرف صاحب الحق فتزن له والحق صاحب مشيئة وهنا سر يخفى عن بعض العارفين وهو أن المشيئة تعين بالميزان إذا رفعت أو خفضت إن استعداد المحل أعطى ذلك كما إن وجود الحق في نفس الأمر أعطى لصاحب العلامة أن يزن له لعلمه بأن الحق له كما علم الحق تعالى أن استعداد هذا المحل أعطاه الوزن له ولا أثر للمشيئة في الاستعداد بما هو استعداد وإنما أثرها في تعيين هذا المحل الخاص لهذا الاستعداد الخاص إذ يجوز أن يكون لغيره لا يجوز أن تزول حقيقة الاستعداد ولا إن تنقلب مثل ما نقول في علم الطبيعة إن الحرارة لا تنقلب برودة لكن الحار ينقلب باردا من جهة كونه محلا وعينا لا من كونه حارا ولا باردا فالاستعداد الذي هو كذا لا ينقلب للاستعداد الذي هو كذا وإنما المحل القابل لهذا الاستعداد المعين قابل لغيره من الاستعدادات فالمشيئة خصصته بهذا الاستعداد دون غيره ما خصصت الاستعداد فإني رأيت جماعة من أصحابنا غلطوا في هذه المسألة ورأوا أن المشيئة لا أثر لها في هذا المحل لما يعطيه استعداد ذلك المحل إذ لا أثر لها في الاستعداد والأمر على ما بيناه إن عقلت (فمن مسائل هذا الباب) أن ميزان الطبيعة نازع الميزان الإلهي الروحاني لما علمت إن ميزانها ما هو بجعل جاعل وذهلت أن ظهور ميزانها
(٩٨)