في ذلك دليل على خراب السماوات والأرض وهو قوله يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فكما كان في أول الخلق إن الأرض خلقت قبل السماء كما قدمناه في ترتيب وجود خلق العالم كذلك لما وقع التبديل ابتدأ بالأرض قبل السماوات فوقف الخلق على الجسر دون الظلمة وبدل الأرض غير الأرض لا في الصفة فلو كان في الصفة ما ذكر العين ولا يكون وارث إلا من مالك متقدم يكون ذلك الموروث في ملكه فيموت عنه فيأخذه الوارث بحكم الورث وقد أخبر الله أن له ميراث السماوات والأرض فلا يرثها إلا الاسم الوارث لا يكون غير هذا ولو لم يكن لها مالك إلا المتصرف فيها وهي الأسماء الإلهية التي لها التصرف فإذا انقضت مدتها بالحكم فيها ما دامت على هذه الصورة والنظم الخاص وكانت المدبرة لها فلما زال تدبيرها وانقضى حكمها الخاص لانقضاء أمد مدة القبول لذلك سمي هذا الزوال موتا وصارت هذه الأعيان ورثا فتولاها الاسم الوارث فأزال حكم ما كانت عليه فبدل الأرض غير الأرض والسماوات حتى لا تعرف الأرض ولا السماء موجدا لها إلا هذا الاسم ولو بقي عين الأرض والسماء لتقسمت وذكرت من كانت ملكا له من الأسماء قبل هذا فربما حنت إليه والأسماء الإلهية لها غيرة لأن المسمى بها وصف نفسه بالغيرة فتعلق حكمها بالأسماء لتعلقها بالمسمى والغيرة مأخوذة من شهود الأغيار وكل اسم إلهي يريد الحكم له وانفراد المحكوم عليه إليه لا يلتفت إلى غيره فبدل الأرض والسماء في العين فلم تعرف هذه الأرض ولا السماء إلا هذا الاسم الوارث خاصة فزالت الشركة في العبادة وظهر التوحيد وحكم المال الموروث ما هو مثل حكم المالك الأصلي فإن حكم الوارث حكم الواهب وحكم المالك الأصلي الموروث عنه حكم الكاسب فتختلف الأذواق فيختلف الحكم فيختلف التصريف فالكاسب حاله ينزل بقدر ما يشاء لأنه في موطن تكليف وانتظار سؤال وحساب ومؤاخذة فهو حفيظ لهذه المراتب التي لا بد منها وحكم الوارث يعطي بغير حساب وينزل بلا مقدار لأن الآخرة لا ينتهي أمدها فتكون الأشياء فيها تجري إلى أجل مسمى فينزل بقدر ما يشاء لأجل ذلك الأجل والدنيا لأمور فيها تجري إلى أجل مسمى وينقضي أمدها فينزل فيها مالكها بقدر معلوم مساو لمدة الأجل فلو أعطى بغير حساب لزاد على الأمد أو نقص فتبطل الحكمة فحكم الوارث حكم الوهاب وحكم المالك الموروث عنه حكم المقدر المقيت ألا تسمع إلى قوله في خلق هذه الأرض الأولى وقدر فيها أقواتها فجعلها ذات مقدار فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وإذا استكملت رزقها ذهب حكم الرازق منها من كونه رازقا في هذه المدة الخاصة وبقي الرزاق ينظر إلى حكم الوارث ما يقول له فيقول الوارث له ارزق بغير قدر ولا انتهاء مدة ألا ترى أن الله قال للقلم اكتب في اللوح علمي في خلقي إلى يوم القيامة فضرب له الأمد لانقضاء مدة الدنيا وتناهيها ولا يصح أن يكتب علمه في خلقه في الآخرة لأنه لا ينتهي أمدها وما لا ينتهي لا يحويه الوجود والكتابة وجود فلا يصح أن يحصرها لانفصاله فإنه انتهاء ما لا ينتهي وهذا خلف فيرجع حكم الأسماء التي كانت تحكم على الأشياء في الدنيا تحكم فيها في الآخرة بحسب ما يرسم لها الاسم الوارث فمن حاز معرفة الأسماء الإلهية فقد حاز المعرفة بالله على أكمل الوجوه وهذا المنزل يتضمن علوما جمة منها علم تنزيه العالم العلوي بما هو محصور في أين وتنزيه أين العالم السفلي ومحله لا تنزيهه وعلم الترتيب والمنازل والمراتب التي لا يمكن أن يوصل إليها ذوقا ولا حالا وعلم أصناف الحياة وضروب الموت المعنوي والحسي ومن يقبل ذلك ممن لا يقبله وعلم الأضداد هل يجمعها عين فتكون الأضداد عينا واحدة أو هي الأحكام لعين واحدة تطلبها النسب وعلم حكم الزمان في الإيجاد الإلهي هل حكمه في ذلك لذاته أعني لذات الزمان أو هو بتولية يمكن عزله عنها ومن هنا يعلم الاسم الإلهي الدهر وعلم الأموات التي توجب المهلة وعدم المهلة فيحكم على الحق في الأشياء بحسب الأداة فيقدم إن اقتضت الأداة التقديم ويؤخر إن اقتضت الأداة التأخير وعلم الملك بطريق الإحاطة وعلم النكاح الذي يكون عنه التوالد من النكاح الذي لمجرد الشهوة من غير توالد وعلم مشاهدة الحق إيانا بما ذا يشهدنا هل بذاته أو بصفة تقوم به وعلم ما يظهر من الغيب للشهادة وما لا يظهر وعلم رجوع الشهادة إلى الغيب بعد ما كان شهادة بحيث أن لا يبقى في الخيال مثال منه فيمن من شأنه أن يتخيل وعلم النور المنزل في ظلمة الطبيعة هل يبقى على صفائه أو يؤثر فيه ظلام الطبيعة فيكون
(١٠٢)