السعداء أورثهم ذلك المسابقة إلى الخيرات على طريق الاقتصاد من إعطاء كل ذي حق حقه فانقسم العالم لانقسام الوجوه على ثلاثة أقسام لكل يد قسم صنف خاص ولما بينهما صنف خاص ولأصناف الأيدي مرتبة العظمة والهيبة فأما اليد الواحدة فالصنف المنسوب إليها عظيم الشأن في نفسه عظمة ذاتية له والصنف الآخر عظيم المرتبة ليست عظمته ذاتية فيعظم لرتبته لا لنفسه كأصحاب المناصب في الدنيا إذ لم يكونوا أهل فضل في نفوسهم فيعظمون لمنصبهم فإذا عزلوا زال عنهم ذلك التعظيم الذي كان في قلوب الناس لهم فهذا الفرق بين الطائفتين فصنف من أهل الله يظهرون في العالم بالله وصنف آخر يظهرون في العالم لله والصنف الذي بين اليدين يظهر بالمجموع وزيادة فأما الزيادة فظهورهم بالذات التي جمعت اليدين وهم أصحاب الهرولة الإلهية في أحوالهم التي سارعوا بها في موطن التكليف وأصحاب اليدين أصحاب الذراع والباع الإلهي لما ظهروا في موطن التكليف عند تعين الخطاب بالشبر والذراع فوقعت المفاضلة ليقع التمييز في المرتبة فيقول صنف ما بين اليدين أنا من أهوى ومن أهوى أنا في مشاهدة دائمة لا تنقطع مراتبها وإن اختلفت أذواقها فإن الله له عرش لا يتجلى في هذه الصورة الدائمة إلا لأصحاب هذا العرش وهم أهل العرش وهم أهل الوجه ينظر بعضهم إلى بعض في هذا التجلي فيكسو بعضهم بعضا من الأنوار التي هم عليها مع كونهم في حال التجلي والنظر وما ثم موطن يجمع بين تجلى الحق ورؤية الخلق في غير حضرة الخيال والمثال إلا موطن أصحاب الوجه أعطاهم ذلك قوة المحل الذي أحلهم فيه الحق وهو محل المقامة وهو الذي ظهر لرسول الله ص في بعض إسراءاته فعبر عنه في حال تدليه إليه برفرف الدر والياقوت فانتقل في إسراءه من براق إلى رفرف فمن حصل في هذا المقام دامت مشاهدته ولم تغيبه عن نفسه ولا عن ملكه ويرى الكثرة في الواحد والتفرقة في الجمع وتقوم لهذا الصنف من الوجه صور حاملة لعلوم محمولة مما بينهم وبينها علاقة ومناسبة عملية ومما لا علاقة بينهم وبينها بل هي زيادة من فضل الله لهم يرزقونها من عين المنة لا ينالون هذه العلوم إلا من تلك الصور المنبعثة من الوجه فلا يحجبهم الوجه عن رؤية الصور وما تحمله ولا تحجبهم الصور وما تحمله ولأذوق تلك العلوم عن الوجه وهذه الرتبة أعلى رتبة للسعداء ثم يفيضون على أصحاب الأيدي مما حصل لهم من تلك العلوم التي نالوها من تلك الصور فلا يأخذوها أصحاب الأيدي إلا بوساطة أصحاب الوجه كما إن أصحاب الوجه ما نالوها إلا من تلك الصور لم ينالوها من الوجه وسبب ذلك أن تلك العلوم مختلفة الأذواق والوجه ما فيه اختلاف فلا بد أن يظهر تميز تلك المراتب بوجود هذه الصور ليعلم تنوع المشارب فما كان عن علاقة التنوع فلتنوع أحوالهم بالشبر والذراع والسعي فتنوع المشروب بالذراع بالباع والهرولة وما تنوع من المشارب مما لا علاقة بينها وبينهم فليعلم إن ذلك من الاستعدادات التي هي عليها نشأتهم الذي هو غير الاستعداد العملي الذي كني عنه بالمقدار من شبر وذراع فالهبات الإلهية إنما اختلفت لهذا ولا يذهب شئ من هذا كله بعقولهم ولا ينقصهم من مراتب حظوظ حقائقهم شيئا فينعمون بكل جارحة وكل حقيقة هم عليها في زمان واحد لا يحجبهم نعيم شئ عن نعيمهم بشئ آخر ومن علم هذا علم صورة النشأة الآخرة وأنها على غير مثال كما كانت نشأة الدنيا على غير مثال وليس في هذا المقام لهذا الصنف أعجب من كونه إذا تجلت لهم صور الوجه يفنون العلوم في المشروبات وهم على حقائق يطلب كل شئ جاءوا به أن يختاروا به منها مع كونها لهم ولا بد لهم من نيلها وأعرفك بسبب ذلك أنهم لا يقع لهم الاختيار إلا في العلوم التي بينهم وبينها علاقة من تلك المشارب لا في علوم الوهب وذلك لأنهم في حال سلوكهم وإنشائهم للأعمال اختاروا بعض الأعمال على بعض فقدموها لما اقتضاه الزمان أو المكان أو الحال فإذا ظهر في هذا التجلي نتائج تلك الأعمال وقع الاختيار منهم في تقدم بعضها على بعض للتناول على صورة ما جرى في حال أعمالهم ألا ترى حكمة قوله في الآخرة إن لأهل السعادة ما تشتهي نفوسهم ولم يقل ما تريد نفوسهم والشهوة إرادة لكن لما لم يكن كل مراد يشتهي لم يكن كل إرادة شهوة فإن الإرادة تتعلق بما يلتذ به وبما لا يلتذ به ولا تتعلق الشهوة إلا بالملذوذ خاصة فأخذوا الأعمال بالإرادة والقصد وأخذوا النتائج بالشهوة فمن رزق الشهوة في حال العمل فالتذ بالعمل التذاذه بنتيجته فقد عجل له نعيمه ومن رزق الإرادة في حال العمل من غير شهوة فهو صاحب مجاهدة نال النتيجة بشهوة وهي مرتبة دون الأولى ثم إن لهذا الصنف من الحق في هذه الحال صورة القهر والظفر
(١٠٤)