الغايات الأخر فتحكم عليهم الغايات بالطلب لها ولا يزال لهم هذا الأمر دائما وأما المحمدي فما له هذا الحكم ولا هذا الحصر فاتساعه اتساع الحق وليس للحق غاية في نفسه ينتهي إليها وجوده والحق مشهود المحمدي فلا غاية له في شهوده وما سوى المحمدي فإنه مشاهدا مكانه فما من حالة يقام فيها ولا مقام إلا ويجوز عنده انقضاؤه وتبدل الحال عليه أو إعدامه ويرى أن ذلك من غاية المعرفة بالله حيث وفي الحكم حقه بالنظر إلى نفسه وإلى ربه وعيسى ع محمدي ولهذا ينزل في آخر الزمان وبه يختم الله الولاية الكبرى وهو روح الله وكلمته وكلمات الحق لا تنفد فليس للمحمدي غاية في خاطره ينتهي إليها فاعلم إن هذه المقامات المذكورة لا تدرك إلا بعين الخيال إذا شوهدت فإن صورها إذا مثلها الله فيما شاء أن بمثلها متخيلة فتراه أشخاصا رأى العين كما ترى المحسوسات بالعين وكما ترى المعاني بعين البصيرة فإن الله إذا قلل الكثير وهو كثير في نفس الأمر أو كثر القليل وهو قليل في نفس الأمر فما تراه إلا بعين الخيال لا بعين الحس وهو البصر نفسه في الحالين كما قال تعالى وإذ يريكموهم إذا التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم وقال يرونهم مثليهم رأى العين وما كانوا مثليهم في الحس فلو لم ترهم بعين الخيال لكان ما رأيت من العدد كذبا ولكان الذي يريه غير صادق فيما أراه إياك وإذا كان الذي أراك ذلك أراكه بعين الخيال كانت الكثرة في القليل حقا والقلة في الكثرة حقا لأنه حق في الخيال وليس بحق في الحس كما أراك اللبن في الخيال فشربته ولم يكن ذلك اللبن سوى عين العلم فما رأيته لبنا وهو علم إلا بعين الخيال ورأيت تلقينك ذلك العلم ممن تلقنته في صورة شربك اللبن كذلك في عين الخيال والعلم ليس بلبن والتلقين ليس بشرب وقد رأيته كذلك فلو رأيته بعين الحس لكان كذبا لأنك رأيت الأمر على خلاف ما هو عليه في نفسه فما رأيته إلا بعين الخيال في حال يقظتك وإن كنت لا تشعر أنت بذلك فكذلك هو في نفس الأمر لأن الله صادق فيما يعلمه وهو في الخيال صدق كما رأيته وكذلك تلقيك العلوم من الله بالضربة باليد فعلم الضروب بتلك الضربة علم الأولين والآخرين والعلم لا يحصل إلا بالتعليم بالخطاب من المعلم أو بخلق في النفس ضرورة وقد حصل في حضرة الخيال بالضرب فلا بد أن يكون الضرب مخيلا والمضروب في عينه مخيلا إن كان في نوم أو يقظة لصدق الذي يرى ذلك وهو الله كما قال تعالى يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ولم تسع في نفس الأمر وهكذا كل ما تراه على خلاف ما هو عليه في نفسه ما تراه إلا بعين الخيال حتى يكون صدقا ولهذا يعبر كل ما وقع من ذلك أي يجوز به العابر إلى المعنى الذي أراد الله بتلك الصورة فلا تغفل عن مثل هذا العلم وفرق بين الأعين واعلم أنك لا تقدر على ذلك إلا بقوة إلهية يعطيها الله من شاء من عباده فتعرض لتحصيلها من الله فإنك مخبر بما رأيت أنك رأيته بحسك ولم يكن الأمر كذلك فتحرر في العبارة فيما تراه كما يفعله المصنف ألا ترى الصحابة لو وفوا النظر الصحيح حقه وأعطوا المراتب حقها لم يقولوا في جبريل ع إنه دحية الكلبي ولقالوا إن لم يكن روحانيا تجسد وإلا فهو دحية الكلبي أدركناه بالعين الحسي فلم يحرروا ولا أعطوا الأمر الإلهي حقه فهم الصادقون الذين ما صدقوا فقال لهم رسول الله ص هو جبريل فحينئذ عرفوا ما رأوا وبما ذا رأوا كما قالوا فيه لما تمثل لهم في صورة أعرابي مجهول عندهم حين جاء يعلم الناس دينهم فقال رسول الله ص أتدرون من السائل فقالوا الله ورسوله أعلم لكونه ظهر في صورة مجهولة عندهم فقال لهم هذا جبريل فإن كان هذا الحديث بعد حديث دحية فقولهم الله ورسوله أعلم يحتمل أنهم أرادوا احتمال المعنى أو الصورة الروحية أو يكون إنسانا في نفس الأمر وإن كان هذا الحديث أو لا فما جهلوا أنه إنسان ولكن جهلوا اسمه ولمن ينتسب من قبائل العرب فلا يعرف الرائي أنه أدرك ما أدركه بعين الخيال ما لم يعلم المدرك ما هو وما في الكون أعظم شبهة من التباس الخيال بالحس فإن الإنسان إن تمكن في هذا النظر شك في العلوم الضرورية وإن لم يتمكن فيه أنزل بعض الأمور غير منزلتها فإذا أعطاه الله قوة التفصيل أبان له عن الأمور إذا رآها بأي عين رآها فيعلم ما هي إذا علم العين التي رآها به من نفسه فأكد ما على أهل علم الله هذا العلم وكثير من أهل الله من لا يجعل باله لما ذكرناه ولولا علمه بنومه فيما يراه أنه رآه في حال نومه ما قال إنه خيال فكم يرى في حال اليقظة مثل هذا ويقول إنه رأى محسوسا بحسه ألا تراه ص في صدق رؤياه إنه ما يجري على نفسه حال في جسده إلا ويظهر ذلك له في صورة
(٥٠٧)