إنما يطلب بذلك الرجوع إلى أصلها وهو بدؤها فإليه تنتهي فنحن لا نعلم شيئا إلا به فورث منا هذه الصفة فقال تعالى ولنبلونكم حتى نعلم كما نظرنا نحن حتى علمنا فما خلص لنا هذا الوصف من غير مشاركة فعلمنا أن علمنا عن النظر والاستدلال بما علمناه أنه هو العالم به من حيث إن نظرنا لم يكن بنا لأنه قال إنه عين صفتنا التي بها ننظر ونبصر ونسمع ونبطش وهذا كله هو علم الأنبياء الذين ورثناهم لأنهم ما ورثونا إلا العلم على الحقيقة وهو أشرف ما يورث ثم انظر في قوله ص العلماء ورثة الأنبياء فعم الألف واللام فيهما كل عالم وكل مخبر ولا شك أن كل مخبر فإنه متصور لما يخبر به وكل سامع ذلك الخبر فقد علمه أي علم ما تصوره ذلك المخبر سواء كان كذبا ذلك الخبر أو صدقا فهو ورث بلا شك ألا تراه ص قد قال من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين لأنه قد ورث منه الكذب وصار حكمه حكم الكاذب كما صار حكم الوارث في المال حكم من مات عنه وخلفه ولما عمم بالألف واللام العلماء دخل فيه قوله حتى نعلم ولما عمم بالألف واللام الأنبياء دخل فيه كل مخبر بنطق أو بحال لأنه من ظهر لعينك بعد أن لم يكن ظاهرا فقد أخبرك بظهوره أنه ظهر لك حتى لو قال لك قد ظهرت لك لم يفدك علما بظهوره وإنما أفادك علما بقوله لك أي من أجلك ظهر لعينك فالمفهوم الأول القرب الظاهر النازل منزلة النص عند أهل الظاهر أن العلماء ورثة الأنبياء الذين هم المخبرون عن الله وبالمفهوم الثاني الذي لا يقدح فيه المفهوم الأول إن العلماء ورثة المخبرين بما أخبروا به كانوا من كانوا لكن العلم الموروث من الأنبياء ع ليس هو العلم الذي يستقل بإدراكه العقول والحواس دون الأخبار فإن ذلك لا يكون وراثة وإنما الذي يرثه العلماء من الأنبياء ما لا تستقل العقول من حيث نظرها بإدراكه وأما ما ورثته من الأنبياء من العلم الإلهي فهو ما تحليه العقول بأدلتها وأما ما تجوزه العقول فتعين لها الأنبياء أحد الجائزين مثل قول إبراهيم ولكن ليطمئن قلبي وأما العلم الذي ترثه من الأنبياء ع من علم الأكوان فعلم الآخرة ومال العالم لأن ذلك كله من قبيل الإمكان فالأنبياء تعين عن الله إن بعض الممكنات على التعيين هو الواقع فيعلمه العالم فذلك ورث نبوي لم يكن يعلمه قبل إخبار هذا النبي به وما عدا هذا فما هو علم موروث إلا في حق العامي الذي ما وفي عقله حقه فتلقى من النبي علما بما لو نظر فيه بعقله أدركه كتوحيد الله ووجوده وبعض ما يتعلق به من حكم الأوصاف والأسماء فيكون ذلك في حق من لم يعلمه إلا من طريق النبي علم موروث وإنما قلنا فيه إنه علم لأن الأنبياء لا تخبر إلا بما هو الأمر عليه في نفسه فإنهم معصومون في أخبارهم عن الله أن يقولوا ما ليس هو الأمر عليه في نفسه بخلاف غير الأنبياء من المخبرين من عالم وغير عالم فإن العالم قد يتخير فيما ليس بدليل أنه دليل فيخبر بما أعطاه ذلك الدليل ثم يرجع عنه بعد ذلك فلهذا لا ينزل في درجة العلم منزلة النبي ص وقد يخبر بالعلم على ما هو عليه في نفس الأمر ولكن لا يتعين على الحقيقة لما ذكرناه من دخول الاحتمال فيه وكذلك غير العالم من العوام فقد يصادفون العلم وقد لا يصادفونه في أخبارهم والنبي ص ليس كذلك فإذا أخبر عن أمر من جهة الله فهو كما أخبر فالمحصل له عالم بلا شك كما إن ذلك الخبر علم بلا شك فلذلك قيد ص إن العلماء هم ورثة الأنبياء لأنهم إذا قبلوا ما قاله الرسول فقد علموا الأمر على ما هو عليه ومن وراثته ص حب النساء والطيب وجعلت قرة عينه في الصلاة ولكن إذا كان ذلك في الإنسان محببا إليه حينئذ يكون وارثا وأما إن أحب ذلك من غير تحبب فليس بوارث فإن العبد لما كان مخلوقا لله لا لغيره كما قال تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فما خلقهم إلا لعبادته وقال لموسى في الاثنتي عشرة كلمة يا ابن آدم خلقتك من أجلي الحديث ثم إن الله في ثاني حال من العبد حبب إليه أمرا ما أكثر من غيره وبقي الكلام فيمن حببه إليه هل حببه إليه طبع أو طمع أو حذر أو حببه إليه الله فإن النبي ص قال حبب إلي ولم يقل من حببه كما قال الله في حق المؤمنين ولكن الله حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان والنبي ص ما عدل إلى قوله حبب ولم يذكر من حببه إلا لمعنى لا يمكن إظهاره لضعف النفوس القابلة فالعارفون بالمواطن يعلمون من حيث ما ذكره الله والنساء والطيب وجعل قرة العين في الصلاة لأنه مصل على شهود من وقف يناجيه بين يديه
(٥٠٤)