وبين واقف وهو الأسلم والأنجى من الرجلين فإنه لا يتمكن له رد الألفاظ ولا رد ما تدل عليه فيقع في التشبيه والآخر وإن لم يكن له رد الألفاظ ولا رد ما تدل عليه فإنه ما نزل ما نزل من ذلك إلا بلغته ورأى التقابل فيما نزل من نفي التشبيه فآمن وصرف علم ذلك إلى الله من غير تعيين لأن المسمى والموصوف لم يره ولم يعلم ما هو عليه إلا من هذه الأخبار الواردة عنه وأما علماء النظر فهم طوائف كثيرة كل طائفة نزعت في الله منزعا بحسب ما أعطاها نظرها في الذي اتخذته دليلا على العلم به فاختلفت مقالاتهم في الله اختلافا شديدا وهم أصحاب العلامات لما ارتبطوا بها وأما علماء الكشف والشهود وهم المؤمنون المتقون فإن الله جعل لهم فرقانا أوقفهم ذلك الفرقان على ما ادعى أهل كل مقالة في الله من علماء النظر والخبر أن يقولوا بها وما الذي تجلى لقلوبهم وبصائرهم من الحق وهل كلها حق أو فيه ما هو حق وما ليس بحق كل ذلك معلوم لهم كشفا وشهودا فيعبده من هذه صفته عبادة أمر وعبادة ذاتية وليس ذلك إلا لهم وللملائكة وأما الأرواح التي لا تعرف الأمر فعبادتهم ذاتية وأما علماء النظر والخبر فعبادتهم أمرية قال رسول الله ص نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه وهذه هي العبادة الذاتية فأخبر أنه ذو عبادتين عبادة أمر وذات وبالعبادة الذاتية يعبده أهل الجنان وأهل النار ولهذا يكون المال في الأشقياء إلى الرحمة لأن العبادة الذاتية قوية السلطان والأمر عارض والشقاء عارض وكل عارض زائل يجري إلى أجل مسمى واعلم أنه ما تقدم لنبي قط قبل نبوته نظر عقلي في العلم بالله ولا ينبغي له ذلك وكذلك كل ولي مصطفى لا يتقدم له نظر عقلي في العلم بالله وكل من تقدمه من الأولياء علم بالله من جهة نظر فكري فهو وإن كان وليا فما هو مصطفى ولا هو ممن أورثه الله الكتاب الإلهي وسبب ذلك أن النظر يقيده في الله بأمر ما يميزه به عن سائر الأمور ولا يقدر على نسبة عموم الوجود لله فما عنده سوى تنزيه مجرد فإذا عقد عليه فكل ما أتاه من ربه مخالف عقده فإنه يرده ويقدح في الأدلة التي تعضد ما جاءه من عند ربه فمن اعتنى الله به عصمه قبل اصطفائه من علوم النظر واصطنعه لنفسه وحال بينه وبين طلب العلوم النظرية ورزقه الايمان بالله وبما جاء من عند الله على لسان رسول الله هذا في هذه الأمة التي عمت دعوة رسولها وأما في النبوة الأولى ممن كان في فترة من الرسل فإنه يرزق ويحبب إليه الشغل بطلب الرزق أو بالصنائع العملية أو الاشتغال بالعلوم الرياضية من حساب وهندسة وهيأة وطب وشبه ذلك من كل علم لا يتعلق بالإله فإن كان مصطفى ويكون نبيا في زمان النبوة في علم الله فيأتيه الوحي وهو طاهر القلب من التقييد باله محصور في إحاطة عقله وإن لم يكن نبيا وجاء رسول إلى أمة هو منها قبل ما جاءه به نبيه ذلك لسذاجة محله ثم عمل بإيمانه واتقى ربه رزقه الله عند ذلك فرقانا في قلبه وليس لغيره ذلك هكذا أجرى الله عادته في خلقه وإن سعد صاحب النظر العقلي فإنه لا يكون أبدا في مرتبة الساذج الذي لم يكن عنده علم بالله إلا من حيث إيمانه وتقواه وهذا هو وارث الأنبياء في هذه الصفة فهو معهم وفي درجتهم هذه فاعلم ذلك وقل رب زدني علما وأما علوم الملائكة وما عدا النفوس الناطقة المدبرة لهذه الهياكل الإنسانية والهياكل الإنسانية فكلهم علماء بالله بالفطرة لا عن تفكر ولا استدلال ولهذا تشهد الجلود من هذه النشأة والأسماع والأبصار والأيدي والأرجل وجميع الجوارح على مدبرها بما أمرها به من التعدي لحدود ربه وما شهادتها إلا إخبار بما جرى فيها من أفعال الله لأنها لا تعرف تعدى الحدود ولا العصيان فيكون ذلك التعريف بتعيين هذه الأفعال شهادة على النفوس المصرفة لها في تلك الأفعال فإن كل ما سوى هذه النفوس المشهود عليها ما تعلم إلا التسبيح بحمد ربها لا غير ذلك لما تجده في فطرتها وما في العلوم أصعب تصورا من هذا العلم لطهارة النفوس الناطقة بحكم الأصل ولطهارة الأجسام وقواها بما فطرت عليه ثم باجتماع النفس والجسم حدث الإنسان وتعلق التكليف وظهرت الطاعات والمخالفات فالنفوس الناطقة لا حظ لها في المخالفة لعينها والنفوس الحيوانية تجري بحكم طبعها في الأشياء ليس عليها تكليف والجوارح ناطقة بحمد الله مسبحة له تعالى فمن المخالف والعاصي المتوجه عليه الذم والعقوبة فإن كان قد حدث بالمجموع للجمعية القائمة بالإنسان أمر آخر كما حدث له اسم الإنسان فهو المذموم بالمخالفة خاصة فإن الإنسان العاقل البالغ هو المكلف لا غير ومن زالت عنه هذه الشروط من هذا النوع فليس بمكلف ولا مذموم على ترك أو فعل منهي عنه ثم
(٤٠٢)