ظهرت في أعيننا مظلمة كما يخرج اللبن من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين تخزنه ضروع مواشيهم وإبلهم لهم كما يخرج من بطون النحل شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس والله يقول ألله نور السماوات والأرض ولولا النور ما ظهر للممكنات عين وقول رسول الله ص في دعائه اللهم اجعل في سمعي نورا وفي بصري نورا وفي شعري نورا حتى قال واجعلني نورا وهو كذلك وإنما طلب مشاهدة ذلك حتى يظهر للأبصار فإن النور المعنوي خفي لا تدركه الأبصار فأراد رسول الله ص أن يدرك بالحس ما أدركه بالإيمان والعقل وذلك لا يظهر إلا لأرباب المجاهدات النار في أحجارها مخبوءه * لا تصطلي ما لم تثرها الأزند فنحن نعلم أن ثم نار أو لا نرى لها تسخينا في الحجر ولا إحراقا في المرخ والعفار وهكذا جميع الموجودات لمن نظر واستبصر أو من شاهد فاعتبر فالحق مخبوء في الخلق من كونه نورا فإذا قدحت زناد الخلق بالفكر ظهر نور الحق من عرف نفسه عرف ربه فمن عرف القدح وميز الزناد فالنار عنده فهو على نور من ربه متى شاء أظهرها فهو الظاهر ومتى شاء أخفاها فهو الباطن فإذا بطن فليس كمثله شئ وإذا ظهر فهو السميع البصير فالقادح ما جاء بنور من عنده فالحق معنا أينما كنا في عدم أو وجود فبمعيته ظهرنا فنحن ذو نور ولا شعور لنا فلله ما لله من عين كوننا * وللكون ما للكون من نور ذاته فنحن كثير والمهيمن واحد * توحد في أسمائه وصفاته وإنما قلنا نحن كثير وهو واحد لأن الأزند كثير والنار من كل زناد منها واحد العين فسواء كان الزناد حجرا أو شجرا ولهذا اختلفت المقالات في الله والمطلوب واحد فكل ما ظهر لكل طالب فليس إلا الله لا غيره فالكل منه بدأ وإليه يعود وإنما سمي طالب النار في الزناد قادحا لأن طلب الحق من الخلق ليعرف ذاته قدح في العلم الصحيح بذاته فإنه لا يعلم منه إلا المرتبة وهي كونه إلها واحدا خاصة فإن رام العلم بذاته وهي المشاهدة ولا تكون المشاهدة إلا عن تجليه ولا يكون ذلك إلا بالقدح فيه فإنك لا تراه إلا مقيدا قيده عقلك بنظره وتجلى لك في صورة تقييدك وهذا قدح فيما هو عليه في نفس الأمر ولولا ما أنت في نفسك ذو نور عقلي ما عرفته وذو نور بصري ما شهدته فما شهدته إلا بالنور وما ثم نور إلا هو فما شهدته ولا عرفته إلا به فهو نور السماوات من حيث العقول والأرض من حيث الأبصار وما جعل الله عز وجل صفة نوره إلا بالنور الذي هو المصباح وهو نور أرضي لا سماوي فشبه نوره بالمصباح ورؤيتنا إياه كرؤيتنا الشمس والقمر أي وإن كان كالمصباح فإنه يعلو في الرؤية والإدراك عن رؤية المصباح فهو بنفسه أرضى لأنه لولا نزوله إلينا ما عرفناه وهو بالرؤية سماوي فانظر ما أحكم علم الشارع بالله أين هو من نظر العقل ولهذا قال لا تدركه الأبصار لأنه نور والنور لا يدرك إلا بالنور فلا يدرك إلا به وهو يدرك الأبصار لأنه نور وهو اللطيف لأنه يلطف ويخفى في عين ظهوره فلا يعرف ولا يشهد كما يعرف نفسه ويشهدها الخبير علم ذوق وما قال لا تدركه الأنوار فلولا النور لم تشهده عين * ولولا العقل لم يعرفه كون فبالنور الكوني والإلهي كان ظهور الموجودات التي لم تزل ظاهرة له في حال عدمها كما هي لنا في حال وجودها فنحن ندركها عقلا في حال عدمها وندركها عينا في حال وجودها والحق يدركها عينا في الحالين فلو لا إن الممكن في حال عدمه على نور في نفسه ما قبل الوجود ولا تميز عن المحال فبنور إمكانه شاهده الحق وبنور وجوده شاهده الخلق فبين الحق والخلق ما بين الشهودين فالحق نور في نور والخلق نور في ظلمة في حال عدمه وأما في حال وجوده فهو نور على نور لأنه عين الدليل على ربه وما يحتمل هذا الوصل أكثر من هذا فإن فيه مكرا خفيا لعدم المثل للحق ولا يتمكن أن يشهد ويعلم إلا بضرب مثل ولهذا جعل لنا مثل نوره في السماوات والأرض كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار ثم قال نور على نور يهدي الله لنوره من هذين النورين فيعلم المشبه والمشبه به من يشاء ويضرب الله الأمثال فجعله ضرب مثل للتوصيل ويجوز في ضرب الأمثال المحال الذي لا يمكن وقوعه فكما لا يكون المحال الوجود وجودا بالفرض كذلك
(٣٩٢)