والحق التوحيد والايمان به فمن حصل له هذا اليقين قبل الاحتضار فمقطوع بسعادته واتصالها فإن اليقين عن النظر الصحيح والكشف الصريح يمنعه من العدول عن الحق فهو على بينة من الأمر وبصيرة ومن حصل له هذا اليقين عند الاحتضار فهو في المشيئة وإن كان المال إلى السعادة ولكن بعد ارتكاب شدائد في حق من أخذ بذنوبه ولا يكون الاحتضار إلا بعد أن يشهد الأمر الذي ينتقل إليه الخلق وما لم يشاهد ذلك فما حضره الموت ولا يكون ذلك احتضارا فمن آمن قبل ذلك الاحتضار بنفس واحد أو تاب نفعه ذلك الايمان والمتاب عند الله في الدار الآخرة وحاله عند قبض روحه حال من لا ذنب له وسواء رده لذلك شدة ألم ومرض أوجب له قطع ما يرجوه من الحياة الدنيا أو غيره فهو مؤمن تائب ينفعه ذلك فإنه غير محتضر فما آمن ولا تاب إلا لخميرة كانت في باطنه وقلبه لا يشعر بها فما مال إلى ما مال إليه إلا عن أمر كان عليه في نفسه لم يظهر له حكم على ظاهره ولا له في نفسه إلا في ذلك الزمن الفرد الذي جاء في الزمان الذي يليه الاحتضار الذي يوجب له الايمان المحصل في المشيئة فكم بين محكوم له بسعادة * وما بين من تقضي عليه مشيئته فذلك تخليص عزيز مقدس * وذاك على حال أرته حقيقته فلولاه ما بانت عليه طريقته * ولا شهدت يوما عليه خليقته فإذا انتقل العبد من الحياة الدنيا إلى حياة العرض الأكبر فإن الله عز وجل قد جعل في الكون قيامتين قيامة صغرى وقيامة كبرى فالقيامة الصغرى انتقال العبد من الحياة الدنيا إلى حياة البرزخ في الجسد الممثل وهو قوله ص من مات فقد قامت قيامته ومن كان من أهل الرؤية فإنه يرى ربه فإن رسول الله ص يقول لما حذر أمته الدجال إن الله لا يراه أحد حتى يموت والقيامة الكبرى هي قيامة البعث والحشر الأعظم الذي يجمع الناس فيه وهو في القيامة الكبرى أعني الإنسان ما بين مسؤول ومحاسب ومناقش في حسابه وغير مناقش وهو الحساب اليسير وهو عرض الأعمال على العبد من غير مناقشة والمناقشة السؤال عن العلل في الأعمال فالسؤال عام في الجميع حتى في الرسل كما قال يوم يجمع الله الرسل فيقول ما إذا أجبتم فالسؤال على نوعين سؤال على تقرير النعم على طريق مباسطة الحق للمسئول فهو ملتذ بالسؤال وسؤال على طريق التوبيخ أيضا لتقرير النعم فهو في شدة فقال ص لأصحابه وقد أكلوا تمرا وماء عن جوع إنكم لتسألون عن نعيم هذا اليوم وهذا السؤال موجه للانذار والبشارة في قوم مخصوصين وهم أهل ذلك المجلس وهو تنبيه بما هو عليه الأمر في حق الجميع فما خلق الله العالم بعد هذا التقرير إلا للسعادة بالذات ووقع الشقاء في حق من وقع به بحكم العرض لأن الخير المحض الذي لا شر فيه هو وجود الحق الذي أعطى الوجود للعالم لا يصدر عنه إلا المناسب وهو الخير خاصة فلهذا كان للعالم الخير بالذات ولكون العالم كان الحكم عليه بالإمكان لاتصافه بأحد الطرفين على البدل فلم يكن في رتبة الواجب الوجود لذاته عرض له من الشر الذي هو عدم نيل الغرض وملائمة الطبع ما عرض لأن إمكانه لا يحول بينه وبين العدم فبهذا القدر ظهر الشر في العالم فما ظهر إلا من جهة الممكن لا من جانب الحق ولذلك قال رسول الله ص لله في دعائه ص والخير كله في يديك والشر ليس إليك وإنما هو إلى الخلق من حيث إمكانه فلذات الحق نحن السعدا * ولا مكان الورى كان الشقا ولقاء الحق حق واجب * فابشروا بكل خير في اللقا فلنا منا فناء وبقاء * ولنا منه وجود ولقا فهو خير ما لضد يرى * فإذا ما الخير بالخير التقى كان خيرا كل ما كان به * مذهب الشر وأسباب التقا واعلم أن الأجسام نواويس الأرواح ومذاقتها وهي التي حجبتها إن تشهد وتشهد فلا ترى ولا ترى إلا بمفارقة هذه الضرائح فناء عنها لا انفصالا فإذا فنيت عن شهودها وهي ذات بصر شهدت موجدها بشهودها نفسها فمن عرف نفسه
(٣٨٩)