عين الوجود هو الذي يحفظ عليه أحوال أعيان الممكنات الثابتة وإنها لا وجود لها البتة بل لها الثبوت والحكم في العين الظاهرة التي هي الوجود الحقيقي ومن أصحابنا من يرى أن الأعيان اتصفت بالوجود واستفادته من الحق تعالى وإنها واحدة بالجوهر وإن تكثرت وأن الأحوال يكسوها الحق بها مع الأنفاس إذ لا بقاء لها إلا بها فالحق يجددها على الأعيان في كل زمان فعلى الأول يكون قوله حتى يفنى من لم يكن فلا يبقى له أثر في عين الوجود فيكون مسلوب النعوت وذلك حال التنزيه ويبقى من لم يزل على ما هي عليه عينه وهو الغني عن العالمين فإن العالم ليس سوى الممكنات وهو تعالى غني عنها إن تدل عليه فإنه ما ثم من يطلب على ما قلناه الدلالة عليه فإن الممكنات في أعيانها الثابتة مشهودة للحق والحق مشهود للأعيان الممكنات بعينها وبصرها الثابت لا الموجود فهو يشهدها ثبوتا وهي تشهده وجودا وعلى القول الآخر الذي يرى وجود أعيان الممكنات وآثار الأسماء الإلهية فيها وإمداد الحق لها بتلك الآثار لبقائها فتفني تلك الآثار والأعيان القابلة لها عن صاحب هذا الشهود حالا والأمر في نفسه موجود على ما هو عليه لم يفن في نفسه كما فنى في حق هذا القائل به فلا يبقى له مشهود إلا الله تعالى وتندرج الموجودات في وجود الحق وتغيب عن نظر صاحب هذا المقام كما غابت أعيان الكواكب عن هذا الناظر بطلوع النير الأعظم الذي هو الشمس فيقول بفناء أعيانها من الوجود وما فنيت في نفس الأمر بل هي على حالها في إمكانها من فلكها على حكمها وسيرها وكلا القولين قد علم من الطائفة ومن أصحاب هذا المقام من يجعل أمر الخلق مع الحق كالقمر مع الشمس في النور الذي يظهر في القمر وليس في القمر نور من حيث ذاته ولا الشمس فيه ولا نورها ولكن البصر كذلك يدركه فالنور الذي في القمر ليس غير الشمس كذلك الوجود الذي للممكنات ليس غير وجود الحق كالصورة في المرآة فما هو الشمس في القمر وما ذلك النور المنبسط ليلا من القمر على الأرض بمغيب نور الشمس غير نور الشمس وهو يضاف إلى القمر كما قيل في كلام الله إنه لقول رسول كريم وقيل في قول الرسول ص إنه كلام الله تعالى إذا تلاه وقول كل تال للقرآن ولكل مقالة وجه من الصحة والكشف يكون في كل ما ذكرناه فأهل الله اختلافهم اتفاق لأنهم يرمون عن قوس واحد فالأمر متردد بين فناء عين وفناء حال ولا جامع في العالم بين الضدين إلا أهل الله خاصة لأن الذي تحققوا به هو الجامع بين الضدين وبه عرف العارفون فهو الأول والآخر والظاهر والباطن من عين واحدة ونسبة واحدة لا من نسبتين مختلفتين ففارقوا المعقول ولم تقيدهم العقول بل هم الإلهيون المحققون حققهم الحق بما أشهدهم فهم وما هم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فأثبت ونفى وحسبنا الله وكفى فكان الشيخ أبو العباس بن العريف الصنهاجي الإمام في هذا الشأن يقول وإنما يتبين الحق عند اضمحلال الرسم وكان الشيخ أبو مدين يقول لا بد من بقاء رسم العبودية ليقع التلذذ بمشاهدة الربوبية وكان القاسم بن القاسم من شيوخ رسالة القشيري يقول مشاهدة الحق فناء ليس فيها لذة وكل قائل صادق فإنه قد قدمنا قبل هذا في هذا الكتاب إن شخصين لا يجتمعان أبدا في تجل واحد وأن الحق لا يكرر على شخص التجلي في صورة واحدة وقد قدمنا إن تجلياته تختلف لأنها تعم الصور المعنوية والروحانية والملكية والطبيعية والعنصرية ففي أي صورة شاء ظهر كما أنه في أي صورة ما شاء ركبك وفي الطريق في أي صورة ما شاء أقامك فالمراكب مختلفة والراكب واحد فمن تجلى له في الصور المعنوية قال بفناء الرسم ومن تجلى له في الصور الطبيعية والعنصرية قال باللذة في المشاهدة ومن قال بعدم اللذة في المشاهدة كان التجلي له في الصور الروحانية فكل صدق وبما شاهد نطق وأي الشهود أعلى وكلناك في ذلك لذوقك حتى تعلم من ذلك ما علمناه ومن هذا الوصل تعلم المفارق وغير المفارق ومن يفرق ومن لا يفرق وتعلم منه من هو على بينة من ربه وما هي البينة وتعلم أنواع الطهارات لكل موصوف بالطهارة وتعلم الميل المحمود والميل المذموم وتعلم ما يقع به الاشتراك في الدين وما نسخ منه فلم يجتمع فيه رسولان وتعلم من خلق من المخلوقات من شئ موجود ومن خلق لا من شئ موجود ومراتب العالم في ذلك وتعلم أن كل ما طلب الحق من
(٣٩٦)