لولا وجود الاختبار وجبرها * فيه لما أبت النفوس إذا أبت قال الله تعالى يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ولذلك يقولون لجلودهم إذا شهدت عليهم لم شهدتهم علينا فتقول الجلود أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ فعمت فكانت الجلود أعلم بالأمر ممن جعل النطق فصلا مقوما للإنسان خاصة وعرى غير الإنسان عن مجموع حده في الحيوانية والنطق فمن فاته الشهود فقد فاته العلم الكثير فلا تحكم على ما لم تر وقل الله أعلم بما خلق وأرض الإنسان جسده وقد شهد عليه بما عمل أتراه شهد عليه بما لم يعلم أتراه علم من غير وحي إلهي جاءه من عند الله عز وجل كما نشهد نحن على الأمم بما أوحى الله تعالى به إلينا من قصص أنبيائه مع أممهم فيشهد الشخص بما لم يرا * إذا أتاه الخبر الصادق فالكل قد أوحى إليه الذي * أوحى به فكله ناطق فانظر فما في كونه غيره * فهو وجود الخلق والخالق فإذا انحصر الأمر بين خبر صادق وشهود علمنا إن العالم كله مكشوف له ما ثم ستر ولا حجاب * بل كله ظاهر مبين فيعلم الحق دون شك * وسره في الحشا دفين فيوحي بالتكوين فيكون ويشهده ما شاء فيرى فشهادته بالخبر الصادق كشهادته بالعيان الذي لا ريب فيه مثل شهادة خزيمة فأقامه رسول الله ص في شهادته مقام رجلين فحكم بشهادته وحده فكان الشهادة بالوحي أتم من الشهادة بالعين لأن خزيمة لو شهد شهادة عين لم تقم شهادته مقام اثنين وبه حفظ الله علينا لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة إذ لم يقبل الجامع للقرآن آية منه إلا بشهادة رجلين فصاعدا إلا هذه الآية لقد جاءكم رسول من أنفسكم فإنها ثبتت بشهادة خزيمة وحده رضي الله عنه (وصل وتنبيه) وأما التحدث بالأمور الذوقية فيصح لكن لا على جهة الأفهام ولكن كل مذوق له مثال مضروب فتفهم منه ما يناسب ذلك المثال خاصة فاذن ما ينبئ عن حقيقة إلا في الذوق المشترك الذي يمكن الاصطلاح عليه كالتحدث بالأمور المحسوسة مع كل ذي حس أدرك ذلك المخبر عنه بحسه وعرف اللفظ الذي يدل عليه بالتواطئ بين المخاطبين فنحن لا نشك إذا تلي علينا القرآن إنا قد سمعنا كلام الله وموسى ع لما كلمه الله قد سمع كلام الله وأين موسى منا في هذا السماع فعلى مثل هذا تقع الأخبار الذوقية فإن الذي يدركه من يسمع كلام الله في نفسه من الله برفع الوسائط ما يمكن أن يساوي في الإدراك من يسمعه بالترجمة عنه فإن الواحد صاحب الواسطة هو مخير في الإخبار بذلك عن الواسطة إن شاء وعن صاحب الكلام إن شاء وهكذا جاء في القرآن قال تعالى في إضافة الكلام إليه فأجره حتى يسمع كلام الله فأضاف الكلام إلى الله وقال في إضافة ذلك الكلام إلى الواسطة والمترجم فقال مقسما إنه يعني القرآن لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين وقال إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر فإن فهمت عن الإله ما ضمنه هذا الخطاب وقفت على علم جليل وكذلك ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فأضاف الحدوث إلى كلامه فمن فرق بين الكلام والمتكلم به اسم مفعول فقد عرف بعض معرفة وما أسمع الرحمان كلامه بارتفاع الوسائط إلا ليتمكن الاشتياق في السامع إلى رؤية المتكلم لما سمعه من حسن الكلام فتكون رؤية المتكلم أشد ولا سيما ورسول الله ص يقول إن الله جميل يحب الجمال والجمال محبوب لذاته وقد وصف الحق نفسه به فشوق النفوس إلى رؤيته وأما العقول فبين واقف في ذلك موقف حيرة فلم يحكم أو قاطع بأن الرؤية محال لما في الإبصار من التقييد العادي فتخيلوا إن ذلك التقييد في رؤية الأبصار أمر طبيعي ذاتي لها وذلك لعدم الذوق وربما يتقوى عند المؤمنين منهم إحالة ذلك بقوله لا تدركه الأبصار وللأبصار إدراك وللبصائر إدراك وكلاهما محدث فإن صح أن يدرك بالعقل وهو محدث صح أو جاز أن يدرك بالبصر لأنه لا فضل لمحدث على محدث في الحدوث وإن اختلفت الاستعدادات فجائز على كل قابل للاستعدادات أن يقبل استعداد الذي قبل فيه
(٣٩٤)