باستحقاق وإنما نالها بامتنان إلهي إما لشقاوته إن كفر بها أو لسعادته إن شكرها ولولا حكم الجهل فيمن هذه صفته ما اتصف بهذا وإن كان عالما بهذا كله وتغافل فإنه مباهت فهذا أعظم في الجور بل هو في هذه الحالة كصاحب اليمين الغموس والغافل كصاحب لغو اليمين فإذا كان مستحضرا لحقيقته عالما بأن الذي هو عليه مما حرمه غيره جائز أن يسلب عنه ويخلع على ذلك الغير الذي قد ازدراه لإهمال الله إياه فشكر نعمة الله عليه ودعا الله لذلك الغير أن ينيله مثل ما أعطاه الله وأدركته الشفقة فإنه وإن كان كافرا فهو أخوه من حيث إنه وإياه من نفس واحدة وإن كان مؤمنا فهو أخوه أخوة اختصاص ديني سعادي فعلى كل حال وجبت عليه الشفقة على خلق الله والرحمة بعباد الله يقول رسول الله ص انصر أخاك ظالما أو مظلوما فأما نصرة المظلوم فمعلومة عند الجميع وأما نصرة الظالم فرحمة نبوية خفية فإنه علم إن الظلم ليس من شيم النفوس لأنها طاهرة الذات بالأصالة فكلما ينقص طهارتها فهو أمر عرضي عرض لها لما عندها من القبول في جبلتها والذي من شيمها إنما هو القهر والظهور ومن هنا دخل عليها إبليس بوسوسته ولقد جهل القائل الذي قال الظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم وما أنصف وما قال حقا فلو قال بدل الظلم القهر من شيم النفوس فالظلم الذي يصدر من زيد في حق من كان ما هو منه وإنما هو ممن يلقي إليه وهو الشيطان وللإنسان فيه مدافعة يجدها من نفسه لأن ذلك ليس من شيم النفوس وإنما الذي من شأنها إنما هو جلب المنافع ودفع المضار فدفع المضار به تشارك الحيوان كله وجلب المنافع مما تختص به النفس الإنسانية فإذا رأيت الحيوان يجلب المنافع فليس ذلك إلا لدفع المضار لا لأمر آخر فكل ضرر يطرأ من الحيوان في حق حيوان آخر أو في حق إنسان إنما هو لدفع المضار عن نفسه خاصة ولما كانت نفس الإنسان بهذه المثابة ووقع منه الظلم في حق أحد فيسمى ظالما فنصرة الظالم أن تنصره على إبليس الذي يوسوس في صدره بما يقع منه من الظلم بالكلام الذي تستحليه النفوس وتنقاد إليه فتعينه على رد ما وسوس إليه الشيطان من ذلك فهذه نصرته إذا كان ظالما ولذا جاء في الخبر في نصرة الظالم أن يأخذ على يده والمراد به ما ذكرناه ولهذا جاء بلفظ النصرة التي أوجبتها الأخوة لأنه لا بد أن تكون النصرة على شئ وما ثم إلا ما ذكرناه لأن العدو الموسوس إليه في صدره يقول مقسما بربه لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين وهم الذين أخلصهم الله إليه مما ألقي إليهم وفيهم من نور الحفظ والعصمة ولذلك قال تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان أي قوة وقهر وحجة لأن الله تولى حفظهم وتعليمهم بما جعل فيهم من التقوى فلما اتخذوا الله جل جلاله وقاية لم يجد اللعين من أين يدخل عليهم بشئ فإنه أينما تولى منه ليدخل عليه بما يخرجه عن دينه وعلمه وجد في تلك الجهة وجه الله يحفظه فلا يستطيع الوصول إليه بالوسوسة فيتجسد له في صورة إنسان مثله فيتخيل أنه إنسان ويأتيه بالإغواء من قبل أذنه فيدخل له فيما حجر عليه تأويلا أدناه أن يبيح له ذلك فلا يضره الوقوع فيه بسبب ذلك التأويل لعلمه بأن الإنسان لا يقدم على معصية الله ابتداء دون وسوسة من العدو الذي يزين له سوء عمله فيراه حسنا فإذا جاء بهذه المثابة للعالم الذي ما له عليه سلطان بما ذكرناه من التأويل فيما يريد إيقاعه به صار ذلك العالم من أهل الاجتهاد فإن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران فهو مأجور على كل حال فما تم له مراده وإن نسي كما نسي آدم فإن الله تعالى الذي شرع المعصية والطاعة وبين حكمهما رفع حكم الأخذ بالمعصية في حق الناسي والمخطئ كما رفعها في حق المجتهد فما تحرك الإنسان إلا في أمر مشروع فقد أحاط بالإنسان وجه الله ظاهرا وباطنا فأينما تولاه الشيطان من ظاهر وباطن فثم وجه الله يحفظه فما له عليه سلطان وهو قوله ص في حق القرين أعانني الله عليه فأسلم برفع الميم على جهة الخبر فما له عليه سلطان أي حجة لأن الحجة هنا شرعية فهو لو ألقى على ظاهره أو باطنه وفي الشرع حكم برفع المؤاخذة فيما أتى به هذا العدو فما له عليه سلطان لأن الحجة الشرعية له فلله الحجة البالغة وقوله فأعانني الله عليه هي نصرة الله له بالحجة فلا يبالي ولهذا شرع لعباده أن يقولوا وإياك نستعين أي بك نستنصر وما ثم إلا العلم فهو خبر ناصر يعطيه الله عبده والذي نسي آدم إنما هو قوله تعالى له إن هذا عدو لك ولزوجك فنسي ما أخبره الله به من عداوته فقبل نصيحته ولما علم إبليس أن آدم محفوظ من الله ورأى الله قد نهاه عن قرب الشجرة لا قرب الثمرة جاء بصورة الأكل لا بصورة القرب فإنه علم أنه لا يفعل لنهي ربه إياه عن قرب الشجرة
(٣٨١)