البصيرة والبصر فقد كملت عبادته ظاهرا وباطنا ومن قال بحلوله في الصور فذلك جاهل بالأمرين جميعا بل الحق إن الحق عين الصور فإنه لا يحويه ظرف ولا تغيبه صورة وإنما غيبه الجهل به من الجاهل فهو يراه ولا يعلم أنه مطلوبه فقال له الرسول ص اعبد الله كأنك تراه فأمره بالاستحضار فإنه يعلم أنه لا يستحضر إلا من يقبل الحضور فاستحضار العبد ربه في العبادة عين حضور المعبود له فإن لم يعلمه إلا في الحد والمقدار حده وقدره وإن علمه منزها عن ذلك لم يحده ولم يقدره مع استحضاره كأنه يراه وإنما لم يحده ولم يقدره العارف به لأنه يراه جميع الصور فمهما حده بصورة عارضته صورة أخرى فانخرم عليه الحد فلم ينحصر له الأمر لعدم إحاطته بالصور الكائنة وغير الكائنة له فلم يحط به علما كما قال ولا يحيطون به علما مع وصفه بأنه أقرب إلى الإنسان من حبل وريده فالحق أقرب إليه من نفسه فإنه أتى بأفعل من فثم قريب وأقرب الأشياء قرب الظاهر من الباطن فلا أقرب من الظاهر إلى الباطن إلا الظاهر عينه ولا أقرب من الباطن إلى الظاهر إلا الباطن عينه وهو أقرب إليه من حبل الوريد فهو عين المنعوت بأن له حبل الوريد فعلمنا أنه عين كل صورة ولا نحيط بما في الوجود من صور فلا نحيط به علما فإن قلت فأنت من الصور قلنا وكذلك نقول إلا أن الصور وإن كانت عين المطلوب فإنها أحكام الممكنات في عين المطلوب فلا نبالي بما ينسب إليها من الجهل والعلم وكل وصف فإني أعلم كيف أنسب وأصف وأنعت فلله الأمر من قبل ومن بعد فالحق حق وإن لم تكن كما هو الحق حق وإن كنت لا فرقان فللظاهر حكم لا يكون للباطن من حيث ما قلت فيه باطن في العبادة وللباطن حكم لا يكون للظاهر من حيث ما قلت فيه ظاهر في العبادة وكل حكم له مقام معلوم وكل مقام له حكم معلوم فلا يعلم شئ إلا به فلا يعبد إلا به ولهذا نبه الحق من لا علم له بما ذكرناه على رتبة العلماء بالله فقال إنه سمع العبد وبصره فما أبصرته إلا به ولا سمعته إلا به فعينه عين سمعك وبصرك فما عبدته إلا به وليس بعد إعلام الحق عز اسمه وجل ذكره إعلام ولا بعد أحكامه فيما حكم فيه أحكام فليس إلا عينه بالخبر * وليس إلا غيره بالبصر فأين أهل الفكر في ذاته * قد ركبوا فيه عظيم الخطر تعارض الأمر لديهم فما * لهم به علم بحكم النظر إن قيل هو قيل لهم ليس هو * لأنه مطلوبكم بالفكر أو قيل ما هو قيل هو إنه * عين الذي تشهده في الصور (واقعة) رأيت عينا من لبن حليب ما رأيت لبنا مثله في البياض والطيب في جرمه دخلت فيه حتى بلغ ثديي وهو يتدفق فتعجبت لذلك وسمعت كلاما غريبا إلهيا يقول من سجد لغير الله عن أمر الله قربة إلى الله طاعة لله فقد سعد ونجا ومن سجد لغير الله عن غير أمر الله قربة إلى الله فقد شقي فإن الله عز وجل يقول وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا فإن الله مع الخلق ما الخلق مع الله لأنه يعلمهم فهو معهم أينما كانوا في ظرفية أمكنتهم وأزمانهم وأحوالهم ما الخلق معه تعالى جل جلاله فإن الخلق لا تعرفه حتى تكون معه فمن دعا الله مع الخلق ما هو كمن دعا الخلق مع الله فلا تدعوا مع الله أحدا ولا يصح السجود إلى غير الله إلا لكون الله مع الخلق حيث كانوا فلا نعلمه ولا نجده إلا بالخلق فالسجود على الحقيقة لله الموصوف بالمعية مع الخلق ولهذا شرعت القبلة كما قال ص إن الله في قبلة المصلي فالقبلة ما هي الله والله فيها فأمرنا بالسجود لها لكون الله فيها ومعها فمن رأى الخلق ببصره فقد رأى الحق ببصيرته مطلقا وليس له إذا رأى ذلك أن يسجد له إلا إذا أمره بالسجود وإن كان لله فلا يقع في الحس إلا لغير الله أبدا لأنه لا يصح أن يقع السجود لله لأن الله بكل شئ محيط فالجهات كلها نسبتها أو نسبة الحق إليها على السواء ومن خر على قفاه فما سجد لله وإن كان الله خلفه كما هو أمامه لكن الله ما راعى إلا وجهه لم يراع من جهات العبد سوى وجهه فلذلك لا يصح السجود لغير الله إلا عن أمر الله قال الله تعالى اسجدوا لآدم فالسجود لغير الله والعبادة لله لا تكون لغير الله أبدا فإنه لا أعظم من الشرك وقد قال المشرك ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فما عبدوا الشركاء لأعيانهم فما أوخذوا إلا لكونهم عبد وهم فإن الله لا يأمر خلقه ولا يصح أن يأمر خلقه بعبادة مخلوق ويجوز أن يأمرنا بالسجود للمخلوق فمن سجد
(٣٧٦)