للرضي الإلهي فالرضي بسط الرحمة من غير انتهاء والغضب منقطع بالخبر النبوي فينتهي حكمه ولا ينتهي حكم الرضي ولا سيما وقد قدمنا في كتابنا هذا أن الإنسان ولد على الفطرة وهي العلم بوجود الرب إنه ربنا ونحن عبيد له وأن الإنسان لا يقبض حين يقبض إلا بعد كشف الغطاء فلا يقبض إلا مؤمنا ولا يحشر إلا مؤمنا غير إن الله لما قال فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا فما آمنوا إلا ليندفع عنهم ذلك البأس فما اندفع عنهم وأخذهم الله بذلك البأس وما ذكر أنه لا ينفعهم في الآخرة ويؤيد ذلك قوله فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا حين رأوا البأس كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا فهذا معنى قولنا فلم يك ينفعهم إيمانهم في رفع البأس عنهم في الحياة الدنيا كما نفع قوم يونس فما تعرض إلى الآخرة ومع هذا فإن الله يقيم حدوده على عباده حيث شاء ومتى شاء فثبت انتقال الناس في الدارين في أحوالهم من نعيم إلى نعيم ومن عذاب إلى عذاب ومن عذاب إلى نعيم من غير مدة معلومة لنا فإن الله ما عرفنا إلا إنا استروحنا من قوله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة إن هذا القدر مدة إقامة الحدود والله أعلم فإنه لا علم لي بذلك من طريق الكشف فرحم الله عبدا أطلعه الحق على انتهاء مدة الشقاء فيلحقها في هذا الموضع من كتابي هذا فإني علمت ذلك مجملا من غير تفصيل ولما كان إلى ربك يومئذ المساق والرب المصلح فإن الله يصلح بين عباده يوم القيامة هكذا جاء في الخبر النبوي في الرجلين يكون لأحدهما حق على الآخر فيقفان بين يدي الله تعالى فيقول رب خذ لي بمظلمتي من هذا فيقول له ارفع رأسك فيرى خيرا كثيرا فيقول المظلوم لمن هذا يا رب فيقول لمن أعطاني الثمن فيقول يا رب ومن يقدر على ثمن هذا فيقول له أنت بعفوك عن أخيك فيقول قد عفوت عنه فيأخذ بيده فيدخلان الجنة فقال رسول الله ص عند إيراده هذا الخبر فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين عباده يوم القيامة الكريم إذا كان من شأنه أن يصلح بين عباده بمثل هذا الصلح حتى يسقط المظلوم حقه ويعفو عن أخيه فالله أولى بهذه الصفة من العبد في ترك المؤاخذة بحقوقه من عباده فيعاقب من شاء بظلم الغير لا بحقه المختص به ولهذا الأخذ بالشرك من ظلم الغير فإن الله ما ينتصر لنفسه وإنما ينتصر لغيره والذي شاء سبحانه ينتصر له فإن الشركاء يتبرءون من أتباعهم يوم القيامة والرب أيضا المغذي والمربي فهو يربي عباده والمربي من شأنه إصلاح حال من يربيه فمن التربية ما يقع بها الألم كمن يضرب ولده ليؤدبه وذلك من جملة تربيته وطلب المصلحة في حقه لينفعه ذلك في موطنه كذلك حدود الله تربية لعباده حيث أقامها الله عليهم فهو يربيهم بها لسعادة لهم في ذلك من حيث لا يشعرون كما لا يشعر الصغير بضرب من يربيه إياه والرب أيضا السيد والسيد أشفق على عبده من العبد على نفسه فإنه أعلم بمصالحه ولن يسعى سيد في إتلاف عبده لأنه لا تصح له سيادة إلا بوجود العبد فإنها صفة إضافية فعلى قدر ما يزول من المضاف يزول من حكم المضاف إليه كالسلطان إذا لم يكن شغله دائما في أمور رعيته وإلا فما له من السلطنة إلا الاسم وهو معزول في نفس الأمر فإن المرتبة لا تقبله سلطانا إلا بشروطها فعلى قدر ما يشتغل عن رعيته بنفسه في لهوه وطربه فهو إنسان من جملة الناس لا حظ له في السلطنة وينقصه في الآخرة من أجر السلطنة وعزها وشموخها على قد ما فرط فيه من حقها في الدنيا بلهوه ولعبة وصيده وتغافله عن أمور رعيته وإذا سمع السلطان باستغاثة بعض رعيته عليه فلم يلتفت لذلك المستغيث ولا قضى فيه بما تعطيه مسألته إما له وإما عليه فقد شهد على نفسه بهذا الفعل أنه معزول وأنه ليس بسلطان ولا فرق بينه وبين العامة فما يقع مثل هذا إلا من سلطان جاهل لا معرفة له بقدر ما ولاة الله عليه ولا غرو أن هذا الفعل يوجب أن يحور عليه وباله يوم القيامة وتقوم عليه الحجة عند الله لرعيته فيبقى موبقا بعمله ولا ينفعه عند ذلك لهوه ولا ماله ولا بنوه ولا كل ما شغله عما تطلبه السلطنة بذاتها وأما الرب الذي هو المالك فلشدة ما يعطيه هذا الاسم من النظر فيما تستحقه المرتبة فيوفيها حقها فقد بان لك في هذا المساق معنى اختصاص هذا الاسم الرب الذي إليه المساق عند التفاف الساق بالساق فبه انتظم الأمران وثبت الانتقالان ومن علم ثبوت الوجود ومن هو مالكه وسيده ومصلحه والثابت له حكمه فيه علم إن الرب مالكه ومن علم منزلة عبوديته علم منزلة سيادة سيده فخافه ورجاه
(٣٨٣)