وما كل من فهم الكلام فهم عن المتكلم ما أراد به على التعيين إما كل الوجوه أو بعضها فقد نبهتك على أمر إذا تعملت في تحصيله من الله حصلت على الخير الكثير وأوتيت الحكمة جعلنا الله ممن رزق الفهم عن الله فنزول القرآن على القلب بهذا الفهم الخاص هي تلاوة الحق على العبد والفهم عنه فيه تلاوة العبد على الحق وتلاوة العبد على الحق عرض الفهم عنه ليعلم أنه على بصيرة في ذلك بتقرير الحق إياه عليه ثم يتلوه باللسان على غيره بطريق التعليم أو يذكره لنفسه لاكتساب الأجر وتجديد خلق فهم آخر لأن العبد المنور البصيرة الذي هو على نور من ربه له في كل تلاوة فهم في تلك الآية لم يكن له ذلك الفهم في التلاوة التي قبلها ولا يكون في التلاوة التي بعدها وهو الذي أجاب الله دعاءه في قوله رب زدني علما فمن استوى فهمه في التلاوتين فهو مغبون ومن كان له في كل تلاوة فهم فهو رابح مرحوم ومن تلا من غير فهم فهو محروم فالآية عنده ثابتة محفوظة والذي يتجدد له الفهم فيها عن الله في كل تلاوة ولا يكون ذلك إلا بإنزال فتارة يحدث إنزاله من الرب الذي ينظر إلى التالي خاصة لا من حضرة مطلق الربوبية وتارة يحدث إنزاله من الرحمن مطلقا لكون الرحمن له الاستواء على العرش المحيط مطلقا وله الرحمة التي وسعت كل شئ فلم يتقيد والرب ليس كذلك فإنه ما ورد الرب في القرآن إلا مضافا إلى غائب أو مخاطب أو إلى جهة معينة أو إلى عين مخصوصة بالذكر أو معين بدعاء خاص لم يرد قط مطلقا مثل الرحمن والاسم الله له حكم الرحمن وحكم الرب فورد مضافا ومطلقا مثل قوله قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن فورد مطلقا ومثل قوله وإلهكم فورد مقيدا ولكن بلفظة إله لا بلفظ الله فمن راعى قصد التعريف لم يفرق بين الله والإله ومن راعى حفظ الاسم وحرمته حيث لم يتسم به أحد وتسمى بإله فرق بين اللفظتين وإذا فرق فيكون حكم لفظ الله لا يتقيد فإذا كان حدوثه في الإنزال على القلب من الرب ينزل مقيد أو لا بد فيكون عند ذلك قرآنا كريما أو قرآنا مجيدا أو قرآنا عظيما ويكون القلب النازل عليه بمثل ما نزل عليه من الصفة عرشا عظيما أو عرشا كريما أو عرشا مجيدا وإذا حدث نزوله من الرحمن على القلب لم يتقيد بإضافة أمر خاص فكان القلب له عرشا غير مقيد بصفة خاصة بل له مجموع الصفات والأسماء كما إن الرحمن له الأسماء الحسنى كذلك لهذا العرش النعوت العلى بمجموعها وإنما قلنا ذلك لأنه نزل علينا في الفهم عن الله في القرآن إطلاق القرآن في موضع وتقييده بالعظمة في موضع في قوله ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم وقيده في موضع آخر بالمجد فقال بل هو قرآن مجيد وق والقرآن المجيد وقيده في موضع آخر بصفة الكرم فقال تعالى إنه لقرآن كريم فلما أطلقه وقيده بهذه الصفات المعينة وجعل القلب مستواه خلع عليه نعوت القرآن من إطلاق وتقييد فوصف عرش القلب بالإطلاق في قوله ثم استوى على العرش الرحمن ولم يقيد العرش بشئ من الصفات كما لم يصف الرحمن ولما قيد العرش قيده بما قيد به القرآن من الصفات فقال في العظمة رب العرش العظيم فأخذه من القرآن العظيم وقال في الكرم رب العرش الكريم فاستوى عليه القرآن الكريم وقال ذو العرش المجيد في قراءة من خفض وجعله نعتا للعرش فاستوى عليه القرآن المجيد فعظم العرش القلبي ومجد وكرم لعظم القرآن وكرمه ومجده فجاء بثلاثة نعوت للقرآن لما هو عليه الأمر في نفسه من التثليث وقد تقدم الكلام قبل هذا في غير هذا الباب في الاسم الفرد وأن له في المرتبة الأولى التي يظهر فيها وجود عينه مرتبة الثلاثة فهي أول الأفراد فلتنظر هناك رتبة التثليث في العالم وقد تقدم لنا شعر في التثليث في بعض منظومنا نشير به إلى هذا المعنى وهو في ديوان ترجمان الأشواق لنا وأول المقطوعة بذي سلم والدير من حاضري الحمى * ظباء تريك الشمس في صور الدمى فأرقب أفلاكا وأخدم بيعة * وأحرس روضا بالربيع منمنما فوقتا اسمي راعي الظبي بالفلا * ووقتا اسمي راهبا ومنجما إلى آخر القصيدة وشرحناها عند شرحنا لديوان ترجمان الأشواق وقد علمت يا ولي حدوث نزول القرآن المطلق على القلب من غير تقييد وإنه الذكر الذي آتاه من الرحمن ولكن ما أعرض عنه كما أعرض من تولى عن ذكره تعالى بل تلقاه بالقبول والترحيب فقال له أهلا وسهلا ومرحبا 7 فرد بتأهيل وسهل ومرحب وجعل قلبه عرشا له فاستوى
(١٢٩)