إلى الله في طلب حوائجكم منه التي فطرتم عليها وأما فرار موسى ع الذي علله بالخوف من فرعون وقومه فما كان خوفه إلا من الله أن يسلطهم عليه إذ له ذلك ولا يدري ما في علم الله فكان فراره إلى ربه ليعتز به فوهبه ربه حكما وعلما وجعله من المرسلين إلى من خاف منهم بالاعتزاز بالله وأيده بالآيات البينات ليشد منه ما ضعف مما يطلبه حكم الطبيعة في هذه النشأة فإن لها خورا عظيما لكونها ليس بينها وبين الأرواح التي لها القوة والسلطان عليها واسطة ولا حجاب فلازمها الخوف ملازمة الظل للشخص فلا يتقوى صاحب الطبيعة إلا إذا كان مؤيدا بالروح فلا يؤثر فيه خور الطبيعة فإن الأكثر فيه إجراء الطبيعة وروحانيته التي هي نفسه المدبرة له موجودة أيضا عن الطبيعة فهي أمها وإن كان أبوها روحا فللأم أثر في الابن فإنه في رحمها تكون وبما عندها تغذى فلا تتقوى النفس بأبيها إلا إذا أيدها الله بروح قدسي ينظر إليها فحينئذ تقوى على حكم الطبيعة فلا تؤثر فيها التأثير الكلي وإن بقي فيه أثر فإنه لا يمكن زواله بالكلية واعلم أن الطبيعة ولود لا عقم فيها ودود متحببة لزوجها طلبا للولادة فإنها تحب الأبناء ولها الحنو العظيم على أولادها وبذلك الحنو تستجلبهم إليها فإن لها التربية فيهم فلا يعرفون سواها ولهذا لا نرى أكثر الأبناء إلا عبيدا للطبيعة لا يبرحون من المحسوسات والملذوذات الطبيعية إلا القليل فإنهم ناظرون إلى أبيهم وهم المترحنون وليس علامتهم وعدم التنوع في الصور فإن التنوع في الصور كما هو لهم هو للطبيعية أيضا وإنما علامة المتروحنين على أنهم أبناء أبيهم تنزههم عن الشهوات الطبيعية وأخذهم منها ما يقيمون به نشأتهم كما قال ص حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فهمتهم اللحوق بأبيهم الذي هو الروح الإلهي اليائي لا الأمري وإنما قلنا اليائي لقوله ونفخت فيه من روحي بياء الإضافة إليه لأنه فرق بين روح الأمر وبين روح ياء الإضافة فجعل روح الأمر لما يكون به التأييد وجعل روح الياء لوجود عين الروح الذي هو كلمة الحق المنفوخ في الطبيعة فحن حنين الولد إلى أبيه ليتأيد به على ما يطلبه من شهود الحق الخارج عن الروح والطبيعة من حيث ما هو غني عنهما لا من حيث ما هو متجل للأبناء منهما أو بهما أو فيهما كل ذلك له وهذا مطلب عزيز فإذا ناله وتقوى به أتى الشهوات بحكم الامتنان عليها نزولا منه إليها فهو يحكم بها على المشتهيات ما تحكم عليه شهوة في المشتهيات فهو مشتهي الشهوة وغيره تحت حكم الشهوة فصاحب هذا المقام يحدث عين الشهوة في نفسه قضاء وإجابة لسؤالات من يشتهي من عالمه الخاص به فينالون بتلك الشهوة ما يشتهون فيتنعم الروح الحيواني وهي ناظرة إلى ربها غير محجوبة قد تجلى لها في اسمه الخلاق وخلع عليها هذا الاسم ليتكون عنها ما تريد لا ما تشتهي فهذه هي النفوس الفاضلة الشريفة المتشبهة بمن هي له فتنظر إلى الطبيعة نظر الولد البار لأمه مع استغنائه عنها وفاء لحقها وإن الناس انقسموا في هذا الحكم أقساما فمنهم من عبد الله وفاء لحق العبودية فأقام نشأتها على الكمال فأعطاها خلقها ومنهم من عبد الله وفاء لحق الربوبية الذي تستحقه على هذا العبد فأقام نشأة سيادة خالقه عليه فأعطاها خلقها من غير نظر إلى نفسه كما كان الأول من غير نظر إلى سيادة سيده بما هو ظاهر كل نشأة لا بما هي في نفس الأمر لأن العبد لا تعمل له فيما تقتضيه الأمور لأنفسها ومنهم من عبده لإقامة النشأتين فأعطاهما خلقهما فأقام نشأة عبوديته ونشأة سيادة سيده وذلك في وجوده وعينه إذ هو محل لظهور هذه النشأة ومنهم من عبد الله لكونه مأمورا بالعبادة وما عنده خبر بإقامة هذه النشآت فعبده بلازم العبودية فعبادته عن أمر إلهي ما هي ذاتية ومنهم من أقامه الله في العبادة الذاتية فلم يحضر أمره إلا في العمل لا في العبادة ومنهم في عبده بهذه الوجوه كلها وهو أقوى القوم في العبادة والنشأة القائمة من مثل هذا العبد أتم النشآت خلقا فإن إقامة النشأة لا بد منها فإن كانت مقصودة للعبد أضيفت إليه وحمد عليها وإن لم تكن مقصودة للعبد العابد أقامها الحق تعالى وأضيفت إلى الله وحمد عليها مع ظهورها من العابد والقصد إلى إيجادها أولى من الغفلة عنها أو الجهل بها فمن الناس من يشهد ما ينشئ ومن الناس من لا يشهد ما ينشئ لأنه لا يعلم أنه ينشئ فيتولى الله إنشاءه على غير علم منه حتى تقوم صورة النشأة فيشهدها العابد حينئذ صادرة عنه فيحمد الله حيث ظهر منه مثل هذا فهم على طبقات في هذا الباب أعني باب العبادة وهكذا الحكم فيما ينشئ عنهم من صور الأعمال الظاهرة والباطنة هم فيها على طبقات مختلفة فمنهم الجامع للكل ومنهم النازل عن درجة الجمع
(١٢٥)