وسع هو كل شئ رحمة وعلما ولم يجر للغضب ذكر في هذه السعة الإلهية والرحمانية فلا بد من مال العالم إلى الرحمة لأنه لا بد للعالم من الرجوع إلى الله فإنه القائل وإليه يرجع الأمر كله فإذا انتهت رجعته إليه عاد الأمر إلى البدء والمبدأ والمبدئ والمبدأ رحمة وسعت كل شئ والمبدئ وسع كل شئ رحمة وعلما فعرف الأمر في عوده في الرحمة فيأمن من تسرمد العذاب على خلق الله أين أنت من هذا الشهود لولا سبق الرحمة الشاملة العامة الامتنانية لتسرمد العذاب على من ينفي رحمة الله من هذه السعة التي ذكر الله فيها ولكن سبق الرحمة جعله أن يبدو له من الله من الرحمة به مع هذا الاعتقاد ما لم يكن يحتسبه فما آخذه الله بجهله لأنه صاحب شبهة في فهمه فعين بصيرته مطموس وعقله في قيد الجهالة محبوس وما في الحيوان من جرى في مسكنه وعمارة بيته وإقامة صورته على شكل العالم مثل النحل فسدست صور بيوتها حتى لا يبقى خلاء كما سد الشكل الكري الخلأ فلم يبق خلاء وعمرت بيتها بالعسل الذي هو ملذوذ نظير الرحمة الإلهية التي عمت الوجود وغمرته وما عمرته بذلك في حق غيرها وإنما عمرته في حق نفسها وكذا صدر العالم على هذه الصورة فما من شئ من العالم إلا وهو يسبح بحمده فلنفسه أوجده لأنه ما شغله إلا به وقال فيمن جعل فيه استعدادا يمكن أن يسعى به لنفسه ولغير الله فنبه أنه ما خلقهم إلا لعبادته فقال وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فكونهم ما فعل بعضهم ما خلق له لا يلزم منه بالقصد المذكور أنه خلق لما تصرف فيه ولذلك يسأل ويحاسب كما وقع فيما اختزنته النحلة لنفسها وأظهرته منها لقوام ذاتها فأخذه من أخذه وتحكم فيه في غير ما أوجدته له ولما كان الأمر كما ذكرناه في النحل دون غيره لذلك أخبرنا الله عنها أنه أوحى إليها دون غيرها من الحيوان وقال فيما يخرج من بطونها إنه شفاء للناس فأنزله منزلة الرحمة التي وسعت كل شئ وما ذكر له مضرة وإن كان بعض الأمزجة يضره استعماله ولكن ما تعرض لذلك أي أن المقصود منه الشفاء بالوجود كما المقصود بالغيث إيجاد الرزق الذي يكون عن نزوله بالقصد وإن هدم الغيث بيت الشيخ الفقير الضعيف فما كان رحمة في حقه من هذه الجهة الخاصة ولكن ما هي بالقصد العام الذي له نزل المطر وإنما كان ما كان من استعداد القابل للتهدم لضعف البنيان كما كان الضرر الواقع لآكل العسل من استعداد مزاجه لم يكن بالقصد العام واعلم أن حفظ الله للعالم إنما هو لإبقاء الثناء عليه بلسان المحدثات بالتنزيه عما هي عليه من الافتقار فلم يكن الحفظ للاهتمام به ولا للعناية بل ليكون مجلاه وليظهر أحكام أسمائه وكذا خلق الإنسان على صورته فقال وأن ليس للإنسان إلا ما سعى فجعله لا يسعى إلا لنفسه ولهذا قرن بسعيه الأجر حتى يسعى لنفسه بخلاف من لا أجر له من العالم الأعلى والأسفل وليس بعد الرسل ومرتبتهم في العلم بالله مرتبة فهم المطرقون والمنبهون ومع هذا فما منهم من رسول إلا قيل له قل لأمتك ما أسئلكم عليه أي على ما بلغتكم من أجر إن أجري إلا على الله فإنه الذي استخدمه وأرسله فالأجر عليه فما سعوا ولا بلغوا إلا في حظوظ نفوسهم لكن الفرق بين العماء من أهل الله وبين العامة إنهم علموا ما الأجر ومن صاحبه ومن يطلبه منهم ممن لا يطلبه ولمن يرجع ذلك الحكم فكل ساع في أمر فإنما يسعى لنفسه كان ذلك الساعي من كان لا يستثني ساع من ساع بل الأمر كله لله وتختلف الأجور باختلاف المقاصد فأعلاها حب المدح والثناء فإنها صفة إلهية ولأجلها أوجد الله العالم ناطقا بتسبيحه بحمده ودون ذلك من الأجور طلب الزيادة من العلم بالكوائن ودون ذلك من الأجور ما تطلبه الطبيعة من القوي الروحانية لوجود الانفعال كثيرا عنها ودون ذلك ما تطلبه الطبيعة من القوي الحسية لمجرد الالتذاذ الذي للروح الحيواني به وليس وراء ذلك أجر يطلب فما ذكرنا سعيا إلا وهو حظ للنفس الساعية فإذا علمت حفظ الله العالم علمت قوله تعالى تجري بأعيننا فكثر فقال فإنك بأعيننا فكثر فكل حافظ في العالم أمرا ما فهو عين الحق إذ الحفظ لا يكون إلا ممن لا يغالب على محفوظه ولا يقاوي على حفظه فكن حافظا لما أنت به تكن عين الحق في وجوده فحفاظ العالم لهم هذه المنزلة وهم لا يعلمون أنهم أعين الحق وذلك ليعلم فضل أهل الشهود والوجود على غيرهم وإن وقع الاشتراك في الصفة ولكن ليس من علم منزلته من حضرة الحق مثل من لم يعلم قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون أنما يتذكر أولوا الألباب فهذا إعلام بأنهم علموا ثم طرأ النسيان على بعضهم فمنهم من استمر عليه حكم النسيان فنسوا الله فنسيهم ومنهم من ذكر فتذكروهم أولو الألباب ولب العقل هو الذي
(١٢٠)