(فصل) ثم اعلم أن الأحد لا يكون عنه شئ البتة وإن أول الأعداد إنما هو الاثنان ولا يكون عن الاثنين شئ أصلا ما لم يكن ثالث يزوجهما ويربط بعضهما ببعض ويكون هو الجامع لهما فحينئذ يتكون عنهما ما يتكون بحسب ما يكون هذان الاثنان عليه إما أن يكونا من الأسماء الإلهية وإما من الأكوان المعنوية أو المحسوسة أي شئ كان فلا بد أن يكون الأمر على ما ذكرناه وهذا هو حكم الاسم الفرد فالثلاثة أول الأفراد وعن هذا الاسم ظهر ما ظهر من أعيان الممكنات فما وجد ممكن من واحد وإنما وجد من جمع وأقل الجمع ثلاثة وهو الفرد فافتقر كل ممكن إلى الاسم الفرد ثم إنه لما كان الاسم الفرد مثلث الحكم أعطى في الممكن الذي يوجده ثلاثة أمور لا بد أن يعتبرها وحينئذ يوجده ولما كان الغاية في المجموع الثلاثة التي هي أول الأفراد وهو أقل الجمع وحصل بها المقصود والغني عن إضافة رابع إليها كان غاية قوة المشرك الثلاثة فقال إن الله ثالث ثلاثة ولم يزد على ذلك وما حكى عن مشرك بالله أنه قال فيه غير ثالث ثلاثة ما جاء رابع أربعة ولا ثامن ثمانية وهكذا ظهرت في البسملة ثلاثة أسماء لما كان من أعطى التكوين يقول بسم الله الرحمن الرحيم والتكوين الإلهي عن قول كن وهو ثلاثة أحرف كاف وواو ونون الواو بين الكاف والنون لا ظهور لها لأمر عارض أعطاه سكون النون وسكون الواو إلا أنه للنون سكون أمر فانظر سريان الفردية الأولية كيف ظهر في بروز الأعيان واعتبر فيما يتكون عنه ثلاثة أمورا جعلها حقوقا فمن أحضر من العابدين المنشئين صور أعمالهم وعباداتهم هذه الحقوق عند إرادتهم إنشاءها وأعطى كل ذي حق حقه في هذه النشآت كان أتم وأعلى درجة عند الله ممن لم يقصد ما قصده والصورة المنشأة فيها ثلاثة حقوق يقصدها الموجد الفرد الحق الواحد لله وهو ما يستحقه منها من التنزيه أو التسبيح بحمده وحق النفس الصورة من الاسم الفرد وهو إيجادها بعد أن لم تكن لتتميز في حضرة الوجود وتنصبغ به وتلحق بما هو صفة لخالقها وموجدها وهو الله وهذه الدرجة الأولى من درجات التشبه به للظهور في الوجود والانصباغ به والحق الثالث ما للغير في وجودها من المصلحة فتعطيه تلك النشأة حق ذلك الغير منها وهو مقصود لموجدها وذلك الغير صنفان الصنف الواحد الأسماء الإلهية فتظهر آثارها المتوقف ظهور تلك الآثار على وجود هذه العين والصنف الآخر ما فيها من حقوق الممكنات التي لا تكون لها إلا بوجود هذه الصورة المنشأة فيقصد المنشئ لها في حين الإنشاء هذه الأمور كلها فيكون الثناء الإلهي على هذا العابد بحسب ما أحضر من ذلك وما قصد فمنهم من يجمع هذا كله في صورة عبادته وصورة عمله فيسري التثليث في جميع الأمور لوجوده في الأصل ولهذا قال فيمن قال بالتثليث إنه كافر فقال لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما سماه مشركا فإنه ستر ما كان ينبغي له إذ قال به أن يبين صورته ولو أبان صورته لقال هذا الذي قلناه وتبين للسامع الحق في ذلك فلما ستر هذا البيان سماه كافرا لأنه ما من إله إلا إله واحد وإن كانت له أحكام مختلفة ولا بد منها فلو لم يستر هذا الكافر وأبان لقال ما هو الأمر عليه وأما من يدعي أن الآلهة ثلاثة فذلك مشرك جاهل ونعوذ بالله أن يكون عاقل من المشركين فالعدد أحكام الواحد وقد جاء العدد في الأسماء الحسنى وجاء قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا من حيث دلالته على عين المسمى فله أي لذلك المسمى الأسماء الحسنى التي الله والرحمن منها من حيث ما هي أسماء لكن الأفهام قاصرة عن إدراك ما يريده الله في خطابه بأي لسان كان فهذا بعض ما في هذا المنزل قد ذكرناه فلنذكر ما يحوي عليه من العلوم النافعة على طريق الذكرى فإن الذكرى تنفع المؤمنين فنقول والله يقول الحق ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فمن ذلك علم أسماء التكوين وعلم حروف التكوين وعلم الأرواح المفرقة لا الجامعة وعلم الأمور الحاملة للأشياء ما يقصد بحملها ولمن تنتهي بالحمل إليه وعلم السعايات ما نهايتها وما المقصود بها من السعاة هل لنيل ما ليس عندهم أو لإيصال ما عندهم لمن يطلبه إما بذاته الذي هو الطلب الذاتي وإما بسؤال منه في ذلك فيعطيه هذا الساعي بتيسير وبريحه من سعيه إليه وكده ومشقته وعلم تفاصيل الأمور ولما ذا ترجع تفاصيلها وتقسيمها هل إلى الأصل وهو الأسماء الإلهية أو للقوابل وهي أعيان الممكنات أو للمجموع أي أمر كان من الأمور التي يطلبها التفصيل والتقسيم وعلم الجزاء وصدق الوعد دون الوعيد وعلم مدارج الملائكة والأرواح المفارقة المحمولة في الصور الجسدية وعلم الخلاف من علم الاتفاق وفيما ذا
(١٢٦)