لأمر الله فلم يقم بما قصد له من الخلق والأمر ولما خلق الله الثقلين في هذا المقام الذي قصده بخلقهم وهو أجلية الحق فرغهم لذلك حتى لا يقوم لهم حجة بالاشتغال بما به قوامهم فخلق الأشياء التي بها قوامهم خاصة من أجلهم ليتفرغوا لما قصد بهم فقامت عليهم حجة الله إذا لم يقوموا بما خلقوا له ثم إنه علم من بعضهم أنه يقوم له شبهة في السعي فيما خلق من أجله في حق الغير لما بلغه إن الله يقول جعت فلم تطعمني وقال لما قال له العبد يا رب وكيف تطعم وأنت رب العالمين فقال الله له ألم تعلم أنه استطعمك فلان فلم تطعمه أما أنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي فأنزل الحق نفسه منزلة ذلك الجائع فلما لاحت له هذه الشبهة قال نسعى في حق الغير وننتفع بما نسعى به بحكم التبع فقال الله له ما فهمت عني ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين لا أنتم فما بقيت لهم حجة بتمام الآية وأما اعتمادهم على ذلك الخبر فلا يقوم لهم به حجة عند الله فإنه لما خلق الأشياء من أجلك التي بها قوامك أعطاك إياها وأوصلها إليك ليكون بها قوامك ثم أفضل لبعضهم من ذلك ما يزيد على قوامهم ليوصله إلى غيره ليكون به قوام ذلك الغير ويحصل لهذا أجر أداء الأمانة التي أمنه الله عليها فذلك هو الذي عتبة الحق حيث استطعمه فلان وكان عنده ما يفضل عن قوامه فلم يعطه إياه فلم يلزم من هذا الخبر أن يسعى في حق الغير وهو المراد في تمام الآية في قوله ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ولما خلق الله الإنسان وأعطاه الجدل قال بعضهم لما استطعمني فلان وعندي ما يفضل عن قوامي فلو كان لهذا المستطعم أمانة عندي ما استطعت إمساكها فلذلك لم نطعمه فقيل له ما قيل لإبليس متى علمت أنه ليس له أبعد ما منعته أو قبل ذلك أعطاك الله علم الكشف أنه ليس لهذا أو عين لك صاحبه أو ما علمت أنه ليس له إلا بعد حصول المنع منك وانصرافه عنك فلا بد أن يقول بعد المنع علمت ذلك فيقال له بذلك أخذت فإن إبليس قال للحق أمرتني بما لم ترد أن يقع مني فلو أردت مني السجود لآدم لسجدت فقال الله له متى علمت أني لم أرد منك السجود بعد وقوع الإباية منك وذهاب زمان الأمر أو قبل ذلك فقال له بعد ما وقعت الإباية علمت أنك لو أردت السجود مني لسجدت فقال الله له بذلك أخذتك ولم يؤاخذ أحد إلا بالجهل فإن أهل العلم الذين طالعهم الله بما يحدثه من الكوائن في خلقه قبل وقوعها لا يؤاخذون على ما لم يقع منهم مما أمروا به بالواسطة أن يقع منهم فإنهم في عين القربة بالاطلاع وليس المراد بامتثال الأمر إلا القربة ومحل القربة ليس بمحل تكليف فإذا وقع من المقربين أعمال الطاعات فبشهود فإنهم على بينة من ربهم فهم عاملون من حيث شهودهم الأمر الإلهي من غير الواسطة التي جاءت به فهم بالصورة في الظاهر اتباع الأمر بالواسطة وفي الباطن أصحاب عين لا أتباع فالحاصل من هذا أنه من لم يغب عن عبوديته لله في كل حال فقد أدى ما خلق له وكان طائعا وسواء كان مطيعا أو مخالفا فإن العبد الآبق لا يخرجه إباقه عن الرق وإنما يخرجه عن لوازم العبودية من الوقوف بين يدي سيده لامتثال أوامره ومراسمه ألا ترى اسم العبودية ينسحب عليه سواء كان مطيعا أو مخالفا كما يبقى اسم البنوة على الابن سواء كان بارا أو عاقا فالعبد الذي وفى ما خلق له لا يخلو أمره في نفسه من حالتين إما أن يكون مشهوده قيمته فهو يقوم في مقام قيمته فيصحبه الانكسار والتسليم والخضوع وإما أن يقام في حال الاعتزاز بسيده فيظهر عليه العجب بذلك والنخوة كعتبة الغلام لما زهى فقيل له في ذلك فقال وكيف لا أزهو وقد أصبح لي مولى وأصبحت له عبدا كما هو الأمر في نفسه ولكن الفضل في أن يكون ذلك الأمر مشهودا له فهاتان حالتان محمودتان تشهد كل واحدة منهما للعبد بأنه وفى بما خلق له وبقي أي الجالتين أولى بالعبد هل شهود القيمة أو الاعتزاز بالسيد فمن قائل بهذا ومن قائل بهذا والصحيح عندي عدم الترجيح في ذلك لما نذكره وذلك أن المقامات والمواطن تختلف فالموطن الذي يطلب ظهور الاعتزاز بالله لا ينبغي أن يظهر فيه العبد إلا بالاعتزاز بالله والموطن الذي يقتضي ويطلب بذاته شهود العبد قيمته لا ينبغي أن يظهر فيه هذا العبد إلا بشهود قيمته وقد احتج بعضهم في الاعتزاز بقوله تعالى ففررت منكم لما خفتكم وبأمره تعالى ففروا إلى الله وهذه حجة للفريقين فإنه قد يفر إلى الله لطلب الاعتزاز بالله وقد يفر إلى الله لتكون ذلته إلى الله وحاجته لا إلى غيره إذ هو مفطور على الحاجة والافتقار ولهذا قال بعد الأمر بالفرار إلى الله تعالى ولا تجعلوا مع الله إلها آخر تفتقرون إليه بل فروا
(١٢٤)