يقع به الغذاء للعقلاء فهم أهل الاستعمال لما ينبغي أن يستعمل بخلاف أهل العقول فإنهم أهل قشر زال عنه لبه فأخذه أولو الألباب فعقلوا وما استعملوا ما ينبغي أن يستعملوه لأن العقل لا يستعمل إلا إذا كان قشرا على لب فاستعمال العقل بما فيه من صفة القبول لما يرد من الله مما لا يقبله العقل الذي لا لب له من حيث فكره فلهذا أهل الله هم أهل الألباب لأن اللب غذاء لهم فاستعملوا ما به قوامهم وأهل العقل هم الذين يعقلون الأمر على ما هو عليه إن اتفق وكان نظرهم في دليل فإذا عقلوا ذلك كانوا أصحاب عقل فإن استعملوه بحسب ما يقتضي استعمال ذلك المعقول فهم أصحاب لب وفي اللب لب الدهن إن كنت تعلم وفي الدهن أمداد لمن كان يفهم فمن رزق الفهم من المحدثات فقد رزق العلم وما كل من رزق علما كان صاحب فهم فالفهم درجة عليا في المحدثات وبه ينفصل علم الحق من علم الخلق فإن الله له العلم ولا يتصف بالفهم والمحدث يتصف بالفهم وبالعلم وفي الفهم عن الله يقع التفاضل بين العلماء بالله والفهم متعلقة الإمداد الإلهي الصوري خاصة فإن كان الإمداد في غير صورة كان علما ولم يكن هناك حكم للفهم لأنه لا متعلق له إلا في هذه الحضرة فلهذا يسمى مستفيدا لما استفاده من فهمه إذ لا يصح لمستفيد استفادة من غير حالة الانتقال من محل العالم المعلم إلى محل المتعلم فما استفاد إلا من فهمه فللمعلم إنشاء صور ما يريد تعليمها للطالب المتعلم وللمستفيد الفهم عنه فلو لا قوة الفهم ما استفاد فكما لا تستوي الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور ولا الأحياء ولا الأموات كذلك لا يستوي الأعمى وهو الذي لا يفهم فيعلم ولا البصير الذي يفهم فيعلم كما لا تستوي الحسنة ولا السيئة فلا يستوي الحق والخلق فإنه ليس كمثله شئ فاعلم وهو السميع البصير فأبهم فحير العقول والفهوم بين الإعلام والإبهام غير إن الرحمة لما عمت عاملهم الحق بما أداهم إليه اجتهادهم أصابوا في ذلك أم أخطئوا طريق القصد بالوضع إذ لا خطأ من هذا الوجه في العالم الأعلى ما ذكرناه من إضافة شئ إلى غير ما أضيف إليه في نفس الأمر كمن يطلب الشئ من غير سببه الذي وضع له فله أجر الطلب لا أجر الحصول لأنه لم يحصل فهو طالب في الماء جذوة نار فكان في الإبهام عين المكر الإلهي فالعالم يلحق الفروع بأصولها على بصيرة وكشف والمبهم عليه يلحق الفروع بالأصول فإن وافقت أصولها فبحكم المصادفة وهو يتخيل أنها أصل لذلك الفرع فإذا صادف سمي خيالا صحيحا وإن لم يصادف سمي خيالا فاسدا فلو لا الإبهام ما احتيج إلى الفهم فهي قوة لا تتصرف إلا في المبهمات الممكنات وغوامض الأمور ويحتاج صاحب الفهم إلى معرفة المواطن فإذا كان الميزان بيده الموضوع الإلهي عرف مكر الله وميزه ومع هذا فلا يأمنه في المستقبل لأنه من أهل النشأة التي تقبل الغفلات والنسيان وعدم استحضار العلم بالشئ في كل وقت ولا فائدة في إلحاق الفروع بأصولها إلا أن يكون للفروع حكم الأصول وأصل وجود العالم وجود الحق فللعالم حكم وجود الحق وهو الوجوب من حيث ما هو وجوب ثم كون الوجوب ينقسم إلى وجوب بالذات وإلى وجوب بالغير هذا أمر آخر وكذلك أصل وجود العلم بالله العلم بالنفس فللعلم بالله حكم العلم بالنفس الذي هو أصله والعلم بالنفس بحر لا ساحل له عند العلماء بالنفس فلا يتناهى العلم بها هذا حكم علم النفس فالعلم بالله الذي هو فرع هذا الأصل يلحق به في الحكم فلا يتناهى العلم بالله ففي كل حال يقول رب زدني علما فيزيده الله علما بنفسه ليزيد علما بربه هذا يعطيه الكشف الإلهي وذهب بعض أصحاب الأفكار إلى أن العلم بالله أصل في العلم بالنفس ولا يصح ذلك أبدا في علم الخلق بالله وإنما ذلك في علم الحق خاصة وهو تقدم وأصل بالمرتبة لا بالوجود فإنه بالوجود عين علمه بنفسه عين علمه بالعالم وإن كان بالرتبة أصلا فما هو بالوجود كما تقول بالنظر العقلي في العلة والمعلول وإن تساوقا في الوجود ولا يكون إلا كذلك فمعلوم إن رتبة العلة تتقدم على رتبة المعلول لها عقلا لا وجودا وكذلك المتضايفان من حيث ما هما متضايفان وهو أتم فيما نريد فإن كل واحد من المتضايفين علة ومعلول لمن قامت به الإضافة فكل واحد علة لمن هو له معلول ومعلول لمن هو له علة فعلة البنوة أوجبت للأبوة أن تكون معلولة لها وعلة الأبوة أوجبت للبنوة أن تكون معلولة لها ومن حيث أعيانهما لا علة ولا معلول واعلم أنه مما يتعلق بهذا الباب كون العالم عيالا لله تعالى وبعضه اتخذه أهلا فقال ع في الخبر الوارد عنه إن الخلق عيال الله وأخبر في خبر آخر أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته والأهلية منزلة خصوص واختصاص من
(١٢١)