في طول العالم ومثله في عرضه وطول العالم عالم الأرواح وعرضه عالم صور الأجسام وإنما قلنا صور الأجسام ولم نقل الأجسام بسبب الأجسام المتخيلة وإن كانت أجساما حقيقية في حضرتها فليست أجساما عند كل أحد لما يسرع إليها من التغيير ولأنها راجعة إلى عين الناظر لا إليها والأجسام الحقيقة هي أجسام لا نفسها لا لعين الناظر فسواء كان الناظر موجودا أو غير موجود هي أجسام في نفسها والأخر أجسام لا في أنفسها كما قال يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى وهي أجسام في عينها لا حكم لها في السعي فظهرت في عين موسى بصورة الجسم الذي له سعى والأمر في نفسه ليس كذلك والقسم الثالث من هذا الحكم من الظهور والخفاء يظهر في سبعمائة موطن وعشرين موطنا وهو منتهى ما يقبل عالم الدنيا من الاقتدار الإلهي لا إن الاقتدار يقصر أو يعجز فهذا حكم القابل وكذا وقع الوجود ويجوز في النظر الفكري خلافه معرى عن علمه بما سبق في علم الله فما ثم إمكان إلا بالنظر المجرد إلى الأكوان معراة عن علم الله فيها فلا تعرف إلا بالوقوع فانحصرت مواطن الظهور والخفاء بين تجل إلهي واستتار في سبعمائة موطن وستة وعشرين موطنا بأحكام مختلفة وبين كل موطنين من ظهور وخفاء يقع تجل برزخي في قوله الرحمن على العرش استوى ليحفظ هذا البرزخ وجود الطرفين فلا يرى كل طرف منها حكم الطرف الآخر والبرزخ له الحكم في الطرفين فيسخف الكثيف ويكثف السخيف وله في كل موطن حكم لا يظهر به في الموطن الآخر وهو ما يجري عليه أحكام عالم هذه الدار إلى أن يرث الله الوارث الأرض ومن عليها ومن حقيقة هذه المواطن ظهر العالم في الدنيا بصورة الظهور وهو ما أدركه الحس وبصورة الاستتار وهو ما لا يدركه الحس من المعاني وما استتر عن الأبصار من الملائكة والجن قال تعالى فلا أقسم بما تبصرون وهو ما ظهر لنا وما لا تبصرون وهو ما خفي عنا فالعالم بين الأبد والأزل برزخ به انفصل الأبد من الأزل لولاه ما ظهر لهما حكم ولكان الأمر واحد إلا يتميز كالحال بين الماضي والمستقبل لولا الحال ما تميز العدم الماضي عن العدم المستقبل وهذا حكم البرزخ لا يبرح دائما في العالم وهو الرابط بين المقدمتين لولاه ما ظهر علم صحيح ثم إن الله سبحانه ولي الاسم الرحمن المملكة كلها وجعل الاسم الرب السادن الأول العام وأعطاه إقليد التكوين والتصريف والنزول والمعراج فهو يتلقى الركبان وينزل بهم على الرحمن والرحمن على عرشه الأبهى يعلم مجموع كلمه في أي عين يظهر من العالم وهو الذي أشرنا إليه بقولنا علم القرآن كيف ينزل * اسمه الرحمن لما عملوا بالذي يعطيهم حكمته * وهو العامل وهو العمل فرجال الله قدما سبقوا * وعليهم بعليه عولوا فهم المطلوب لا غيرهم * فبه منهم إليه وصلوا فقوله الرحمن علم القرآن نصب القرآن ثم قال خلق الإنسان علمه البيان فينزل عليه القرآن ليترجم منه بما علمه الحق من البيان الذي لم يقبله إلا هذا الإنسان فكان للقرآن علم التمييز فعلم أين محله الذي ينزل عليه من العالم فنزل على قلب محمد ص نزل به الروح الأمين ثم لا يزال ينزل على قلوب أمته إلى يوم القيامة فنزوله في القلوب جديد لا يبلى فهو الوحي الدائم فللرسول صلوات الله عليه وسلامه الأولية في ذلك والتبليغ إلى الأسماع من البشر والابتداء من البشر فصار القرآن برزخا بين الحق والإنسان وظهر في قلبه على صورة لم يظهر بها في لسانه فإن الله جعل لكل موطن حكما لا يكون لغيره وظهر في القلب أحدي العين فجسده الخيال وقسمه فأخذه اللسان فصيره ذا حرف وصوت وقيد به سمع الآذان وأبان إنه مترجم عن الله لا عن الرحمن لما فيه من الرحمة والقهر والسلطان فقال فأجره حتى يسمع كلام الله فتلاه رسول الله ص بلسانه أصواتا وحروفا سمعها الأعرابي بسمع أذنه في حال ترجمته فالكلام لله بلا شك والترجمة للمتكلم به كان من كان فلا يزال كلام الله من حين نزوله يتلى حروفا وأصواتا إلى أن يرفع من الصدور ويمحي من المصاحف فلا يبقى مترجم يقبل نزول القرآن عليه فلا يبقى الإنسان المخلوق على الصورة فإذا بقيت صورة جسم الإنسان مثل أجسام الحيوان وزالت الصورة الإلهية بالتجريد نفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض
(١٠٨)