في الوجود كتابين كتابا سماه أما فيه ما كان قبل إيجاده وما يكون كتبه بحكم الاسم المقيت فهو كتاب ذو قدر معلوم فيه بعض أعيان الممكنات وما يتكون عنها وكتابا آخر ليس فيه سوى ما يتكون عن المكلفين خاصة فلا تزال الكتابة فيه ما دام التكليف وبه تقوم الحجة لله على المكلفين وبه يطالبهم لا بالأم وهذا هو الإمام الحق المبين الذي يحكم به الحق تعالى الذي أخبرنا الله في كتابه أنه أمر نبيه أن يقول لربه احكم بالحق يريد هذا الكتاب وهو كتاب الإحصاء فلا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وكل صغير وكبير مستطر وهو منصوص عليه في الأم التي هي الزبر ومعناه الكتابة وإن كانت أصناف الكتب كثيرة ذكرناها في مواقع النجوم فإنها ترجع إلى هذين الكتابين وسبب إيجاد الكتابين كونه سبحانه خلق من كل شئ زوجين فخلق كتابين أيضا فمن الكتاب الثاني يسمى الحق خبيرا ومن الأم يسمى عليما فهو العليم بالأول الخبير بالثاني إن عقلت فالقضاء الذي له المضي في الأمور هو الحكم الإلهي على الأشياء بكذا والقدر ما يقع بوجوده في موجود معين المصلحة المتعدية منه إلى غير ذلك الموجود مثل قوله ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض فلو وجد البغي عن البسط لم تقم الحجة عليهم ولكن ينزل بقدر ما يشاء فما أنزل شيئا إلا بقدر معلوم ولا خلق شيئا إلا بقدر فإذا وجد البغي مع القدر قامت الحجة على الخلق حيث منع الغير مما بيده مع حصول الاكتفاء فما زاد فيعلم أنه لمصلحة غيره ومن فضله جعله قرضا ولا يقع القرض فيما هو رزق له لقوام عينه وجعل هذا الفعل من جملة مصالح العباد فرفع بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ولما أنزل الله سبحانه نفسه منزلة عباده أمضى عليه أحكامهم فما حكم فيهم إلا بهم وهذا من حجته البالغة له عليهم وهو قوله جزاء وفاقا جزاء بما كنتم تعملون جزاء بما كنتم تكسبون فأعمالهم عذبتهم وأعمالهم نعمتهم فما حكم فيهم غيرهم فلا يلومون إلا أنفسهم كما قال الله فيما حكاه لنا من قول الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان أي من قوة ولا حجة ولا برهان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي وليس كل من دعا تلزم إجابته ولهذا كانت المعجزات تشهد بصدق الدعوة من الرسل أنها دعوة الله والشيطان ما أقام برهانا لهم لما دعاهم وهو قوله وما كان لي عليكم من سلطان فيا عجبا إن الناس جحدوا دعوة الحق مع ظهور البرهان وكفروا بها وأجابوا دعوة الشيطان العرية عن البرهان فقال لهم فلا تلوموني ولوموا أنفسكم نظرا منه إلى حكم الكتاب الثاني الذي به تقوم الحجة عليهم فلو نظر إلى الأم والزبر الأول لم يقل لهم ولوموا أنفسكم فالقضاء للكتاب الأول يطلبه حكم الكتاب الثاني والقدر بالكتاب الثاني وكلا الكتابين محصور لأنه موجود وعلم الله في الأشياء لا يحصره كتاب مرقوم ولا يسعه رق منشور ولا لوح محفوظ ولا يسطره قلم أعلى فلله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون أي إلى الحكم وهو القضاء فالضمير في إليه يعود على الحكم فإنه أقرب مذكور فلا يعود على الأبعد ويتعدى الأقرب إلا بقرينة حال هذا هو المعلوم من اللسان الذي أنزل به القرآن فالقضاء يحكم على القدر والقدر لا حكم له في القضاء بل حكمه في المقدر لا غير بحكم القضاء فالقاضي حاكم والمقدر موقت فالقدر التوقيت في الأشياء من اسمه المقيت قال الله تعالى وكان الله على كل شئ مقيتا وهذا المنزل أشهدته بقونية في ليلة لم يمر على أشد منها لنفوذ الحكم وقوته وسلطانه فحمدت الله على قصوره على تلك الليلة ولم يكن حكم تأبيد وإنما كان حكم وقوع مقدر فلما رددت إلي وقد سقط في يدي وعلمت ما أنزل الله علي وما قدره الحق لدي وفرقت بين قضائه وقدره في الأشياء كتبت به إلى أخ في الله كان لي رحمه الله أعرفه بما جرى كما جرت العادة بين الإخوان إذ كان كتابه قد ورد علي يطلبني بشرح أحوالي فصادف ورود هذا الحال فكتبت إليه في الحال بسم الله الرحمن الرحيم ورد كتاب المولى يسأل وليه عن شرح ما رأى إنه به أولى ليكون في ذلك بحكم ما يرد عليه شهاب الدين يا مولى الموالي * سألت تهمما عن شرح حالي أنا المطرود من بين الموالي * ومثلي من يصد عن الوصال عصيت زجاجة فجهلت قدري * فها أنا طائع حد الغوالي رميت بأسهم الهجران حتى * تداخلت النبال على النبال
(١١٢)