وأما السلطان الجائر فقد اختلفت الأقوال فيه، فمنهم من أفرط في القول بولايته حتى جعله بمنزلة الإمام العادل، بحيث لم يقع منه حرام إلا في تغلبه وتقلده للرئاسة فقط، ومنهم من فرط حتى قال بجواز التصرف من دون اعتبار إذنه، وعدم كفاية إذنه وعدم حل الخراج المأخوذ منه، وكلا القولين ساقط.
ومجمل القول فيه: أن مقتضى القاعدة وإن كان عدم نفوذ تصرف غير الإمام (عليه السلام) في المقام، إلا أن الأخبار مستفيضة بنفوذه في مقامات، منها جواز التقبل منه (1)، منها جواز تقبيل ما تقبله منه لغيره كما ذكروه في باب الإجارة (2)، منها جواز اشتراء ما يأخذه بعنوان الخراج (3)، منها جواز قبول جوائزه التي هي غالبا من الخراج (4).
والكلام حينئذ في أن هذه الأمور أحكام تصرفات الجائر لتكون كاشفة عن ولايته شرعا بعد تغلبه، وإن لم يكن ابتداء كذلك، أو أنها من باب الإجازة ممن له الإجازة، فيعتبر مقدار الإجازة، وأن التصرفات حينئذ نافذة بانفاذ الإمام (عليه السلام) كما في إجازة بيع الغاصب مثلا.
ومن الواضح أن المتيقن منه هو الثاني دون الأول، الذي قد تواترت الأخبار والآثار بحرمة التولي (5) من قبلهم والمداخلة معهم والدخول تحت رايتهم للجهاد ومعونتهم بأي وجه كان، حتى في بناء مسجد كما في (6) الخبر، مع أن الترخيص في كل ذلك لازم اعتبار ولايتهم للأمر شرعا، ويوجب تقوية شوكتهم وبقاء سلطانهم وزوال الأمر بالكلية عن أهله، وخمول الحق وعدم ترقب رجوع الحق إلى مركزه، وكل ذلك ما يأباه فطرة الولاية لآل محمد (عليهم السلام) وإن تفوه به بعض الأصحاب.
ثم من البين أن مجرد الانفاذ بالإذن والإجازة لا يلازم الجواز التكليفي، بل ولا