ثالثها: أن المورد من موارد الرجوع إلى العام لا إلى استصحاب حكم الخاص، وذلك لأن حكم العام بنحو القضية الحقيقية يتكفل أحكاما متعددة لأفراد مقدرة الوجود، خرج من تلك الأفراد جملة منها مقدرة الوجود حال حياة المولى، وبقي الأفراد المقدرة الوجود بعد موته، والحاجة إلى الكفن وتعدد الفرد المقدر قبل الموت وبعده لا ينبغي الشبهة فيه، إذ ليس البيع قبل الموت وبعده كالعقد الشخصي الواقع على العين، حيث حكم فيه باستصحاب الخيار دون وجوب الوفاء بالعقد، ولا معنى لتعلق الحكم بطبيعي البيع من دون انحلاله إلى الأفراد حقيقة، وإن كان الحكم والموضوع مأخوذين بنحو الوحدة الطبيعية في القضية الانشائية.
وربما يورد عليه: بأن الملك الشخصي بحسب الملكية الحالية ليس له إلا خروج واحد، ولا يمكن وقوع البيع عليه مرتين أو أزيد من شخص المالك، فالخارج فرد واحد مردد بين فرض وقوعه في حياة المولى وبعد موته، والواحد لا يعقل خروجه عن تحت العام وبقائه ولو في زمانين إذا كان الزمان ظرفا لا قيدا.
وفيه: ما ذكرنا في محله (1) من أن ما يقوم به المقيد - كبيع أم الولد هنا - إذا لم يكن المحل قابلا إلا لفرد منه تكون جميع تروكه مطلوبة، إذ لا ينعدم ما تقوم به المفسدة من الأفراد المفروضة إلا بترك الكل، فالمطلوب بالمنع عن بيع أم الولد جميع تروكه، والخارج تعينا عن تحت عموم صحة البيع جميع الأفراد المفروضة في زمان حياة المولى وعدم الحاجة إلى الكفن، فتروكها هي المطلوبة، وسائر الأفراد المفروضة بعد الموت على حالها من كونها مشمولة للعام، ولا يكون دليل على مطلوبية تروكها، إلا أن الفرد المردد خارج، والترك المردد مطلوب، فتدبر، ويمكن أن يكون الأمر بالتأمل إشارة إلى بعض ما ذكرنا، ولعل الأنسب أن يكون إشارة إلى الوجه الأخير، لما سيأتي منه إن شاء الله تعالى من التمسك بالعام في نظير المسألة عند البحث عن إسلام أم الولد الذمية (2) فانتظر.