الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة)، فإن الالتذاذ بالصلاة لذة عقلية، كما أن الالتذاذ بالطيب لذة شمية، وبالنساء نظرية ولمسية.
فإن قيل: حقيقة الإنسان نفسه الناطقة، ولها ثلاث قوى، وهي:
العاقلة، الشهوية، والغضبية، وقوى أخرى هي: الحواس الظاهرة والحواس الباطنة، وشأن العاقلة - كما ذكرت - إدراك المعاني الكلية، والحقائق المجردة، وشأن الحواس الظاهرة إدراك المبصرات والمسموعات والمشمومات والمذوقات والملموسات، وشأن الحواس الباطنة إدراك المعاني الجزئية، والصور المدركة بالحواس الظاهرة وضبطها، ومن جملة ما يدرك بالحواس ما يتعلق بقوتي الغضب والشهوة، من الغلبة والاستيلاء والوصول إلى المناكح والمطاعم وضدهما، فالمحب لهذه المدركات والملتذ بها ماذا من النفس وقواها المذكورة، وهل المحب والملتذ هو المدرك بعينه أو غيره؟
قلنا: المحب والملتذ أولا في كل من هذه المدركات هو المدرك، وثانيا وبالواسطة هو النفس، إذ كل أدراك يتعلق بإحدى القوى، ليصل بالآخرة إلى النفس، فيحدث فيها ما يقتضيه من اللذة والألم، إلا أن ما يدرك بالحواس مما يتعلق بقوتي الشهوة والغضب لا بد أن يصل إليهما أيضا، فيحصل لهما اللذة أو الألم، وبواسطتهما يصل إلى النفس، فالمدرك أولا للغلبة أو العجز هو الوهم، فيلتذ أو يتألم، ثم يصل منه أثر الإدراك والالتذاذ والألم إلى القوة الغضبية ويصل منها الأثر إلى النفس فيلتذ أو يتألم، والمدرك للطعم والريح واللين والنعومة هي الذائقة والشامة واللامسة فالالتذاذ والتألم لها أولا وبواسطتها للقوة الشهوية، وهذا إن كانت الشهوية قوة على حدة سوى الذائقة والشامة واللامسة وسائر الحواس الظاهرة، وإن كانت معنى جنسيا شاملا لجميعها فالأمر ظاهر. وبما ذكر ظهر وجه تعلق الحب بجميع القوى.
فصل أقسام الحب بحسب مباديه إعلم أن أسباب الحب ومباديها لما كانت متعددة مختلفة فينقسم الحب لأجلها على أقسام: