عن سعادة الدارين، وتؤدي إلى شقاوة النشأتين، إذ الإهمال في رعاية أمر المعيشة ومصالحها يؤدي إلى هلاكة الشخص وانقطاع النوع، والغفلة عن اكتساب المعارف والأخلاق الفاضلة وعن أداء الفرائض والنوافل تنجر إلى إبطال غاية الايجاد - أعني بلوغ كل شخص إلى كماله المستعد له - وهو مع كونه - صريح المضادة والمنازعة لخالق العباد يوجب الهلاكة والشقاوة أبد الآباد.
وصل ضد الغفلة النية - تأثير النية على الأعمال - النية روح الأعمال والجزاء بحسبها - عبادة الأحرار والاجراء والعبيد - نية المؤمن من العمل - النية غير اختيارية - الطريق في تخليص النية.
* * * قد عرفت أن ضد الغفلة النية، وهي انبعاث النفس وتوجهها إلى ما يراه موافقا لغرضها، وقد عرفت أيضا أن النية والإرادة والقصد عبارات متواردة على معنى واحد، وهي واسعة بين العلم والعمل، إذ ما لم يعلم أمر لم يقصد وما لم يقصد لم يفعل، فالعلم مقدم على النية وشرطها، والعمل ثمرتها وفرعها إذ كل فعل وعمل يصدر عن فاعل مختار فإنه لا يتم إلا بعلم وشوق وإرادة وقدرة، إذ كل إنسان خلق بحيث يوافقه بعض الأمور ويلائم غرضه ويخالفه بعض الأمور، فاحتاج إلى جلب الموافق ودفع المخالف المنافي، وهو موقوف على إدراك الملائم النافع والمنافي الضار، إذ ما لم يعرف الشئ لم يعقل طلبه أو الهرب عنه، وهو العلم، وعلى الميل والرغبة والشهوة الباعثة عليه، وهو الشوق إذ من أدرك الغذاء أو النار لا يكفيه ذلك للتناول والهرب، ما لم يكن شوق إلى التناول والهرب، وعلى القصد والشروع والتوجه إليه، وهو النية، إذ كم شاهد للطعام راغب فيه شائق إليه لا يريده لكونه مؤذيا أو حراما أو لعذر آخر، وعلى القدرة المحركة للأعضاء إليه - أي إلى جلب الملائم أو دفع المضار - وبها يتم الفعل فهي الجزء الأخير للعلة التامة التي بها يتم فعل الفاعل المختار فالأعضاء لا تتحرك إلى جانب الفعل ولا توجده إلا بالقدرة والقدرة تنتظر النية، والنية تنتظر الداعية الباعثة - أعني الشوق - والشوق ينتظر العلم أو الظن بكون ما يفعل موافقا له، فإن كان الشوق صادرا عن القوة