الرحال من المواضع البعيدة إليه ليقتدي به، ومثله كلما وجد في نفسه قصد التقرب والثواب في الذهاب إلى المسجد للإمامة ذهب ولو لم يجد ذلك من نفسه تخلف، وصلى منفردا، وهو الذي يستوي عنده اقتداء الناس به وعدمه، ويستوي عنده كثرة المقتدين وقلتهم، بل يكون حاله عند صلاته وهو إمام لجم غفير كحاله عند صلاته منفردا، من دون أن يجد في نفسه تفاوتا في الحالين.
وبالجملة: أصناف غرور أهل العلم - (لا) سيما في هذه الأعصار - كثيرة، والتأمل يعلم أن الغرور أو التلبيس أو غيرهما من ذمائم الأفعال انتهى في بعضهم إلى أن وجودهم مضر بالإسلام والمسلمين وموتهم أنفع للإيمان والمؤمنين، لأنهم دجالو الدين وقوامو مذهب الشياطين، ومثلهم كما قال عيسى ابن مريم (ع): (العالم السوء كصخرة وقعت في فم الوادي فلا هي تشرب الماء ولا هي تترك الماء يتخلص إلى الزرع).
الطائفة الرابعة الوعاظ والمغترون منهم كثيرون:
(فمنهم) من يتكلم في وعظه في أخلاق، النفس وصفات القلب، من الخوف، والرجاء، والتوكل، والرضاء، والصبر، والشكر، ونظائرها، ويظن أنه إذ ا تكلم بهذه الصفات ودعا الخلق إليها صار موصوفا بها، وهو منفك عنها في الواقع، إلا عن قدر يسير لا ينفك عنه عوام المسلمين، ويزعم أن غرضه إصلاح الخلق دون أمر آخر، ومع ذلك لو أقبل الخلق على أحد من أقرانه وصلحوا على يديه، وكان أقوى منه في الإرشاد والاصلاح لمات غما وحسدا، ولو أثنى أحد المترددين عليه على بعض أقرانه، لصار أبغض خلق الله إليه.
و (منهم) من أشتغل بالشطح والطامات، وتلفيق كلمات خارجة عن قانون الشرع والعقل، وربما كلف نفسه بالفصاحة والبلاغة، وتصنع التشبيهات والمقدمات، وشغف بطيارات النكت وتسجيع الألفاظ وتلفيقها، طلبا للأعوان والأنصار، وشوقا إلى تكثر البكاء والرقة والتواجد والرغبات