والأدعية وسائر الآداب المسنونة فيه، استحق للمغفرة والخلاص عن عذاب الآخرة، بمقتضى الأخبار المتواترة. ثم إن كل من العوام، حصل له من صفاء النفس ما يوجب استجابة دعوته، وإن كان من أهل المعرفة، فعسى الشيطان لا يحوم على قلبه، فينكشف له شئ من الملكوت، وسيما في ليلة القدر، إذ هي الليلة التي تنكشف فيها الأسرار، وتفيض القلوب الطاهرة الأنوار، والمناط والعمدة في نيل ذلك تقليل الأكل بحيث يحسن ألم الجوع، إذ من جعل بين قلبه وبين صدره مخلاة من الطعام، فهو محجوب عن عوالم الأنوار، ويستحيل أن ينكشف له شئ من الأسرار.
المقصد السادس الحج إعلم أن الحج أعظم أركان الدين، وعمدة ما يقرب العبد إلى رب العالمين، وهو أهم التكاليف الإلهية وأثقلها، وأصعب العبادات البدنية وأفضلها، وأعظم بعبادة ينعدم بفقدها الدين، ويساوي تاركها اليهود والنصارى في الخسران المبين. والأخبار التي وردت في فضيلته وفي ذم تاركه كثيرة مذكورة في كتب الأخبار، والأحكام والشرائط الظاهرة له على عهدة الفقهاء، فلنشر إلى الأسرار الخفية، والأعمال الدقيقة والآداب الباطنة، التي يبحث عنها أرباب القلوب:
فصل الغرض من إيجاد الإنسان إعلم أن الغرض الأصلي من إيجاد الإنسان معرفة الله والوصول إلى حبه والأنس به، والوصول إليه بالحب والأنس يتوقف على صفاء النفس وتجردها. فكلما صارت النفس أصفى وأشد تجردا، كان أنسها وحبها بالله أشد وأكثر. وصفاء النفس وتجردها موقوف على التنزه عن الشهوات والكف عن اللذات، والانقطاع عن الحطام الدنيوية، وتحريك الجوارح وإيقاعها لأجله في الأعمال الشاقة، والتجرد لذكره وتوجيه القلب إليه.
ولذلك شرعت العبادات المشتملة على هذه الأمور إذ بعضها إنفاق المال وبذله، الموجب للانقطاع عن الحطام الدنيوية، كالزكاة والخمس والصدقات