الحق فيه. والغاية القصوى في عمل القلب عمارته بالأخلاق المحمودة، والعقائد الحقة المشروعة. ولا يتصف بها ما لم ينظف عن نقائضها، من الأخلاق المذمومة، والعقائد الفاسدة. فتطهيرها عنها أحد الشطرين، والشطر الآخر تحليته بالفضائل والعقائد الحقة.
وأما عمل الجوارح، فالمقصود منه عمارتها بالطاعات. ولا يمكن ذلك ما لم يطهر عن المعاصي والمناهي. فهذا التطهير نصف عملها، ونصفه الآخر عمارتها بالطاعات. وقس على ذلك الحال في المرتبة الأولى. وإلى ذلك الإشارة بقول النبي (ص): (الطهور نصف الإيمان). فإن المراد: أن تطهير الظاهر، والجوارح، والقلب، والسر، من النجاسات والمعاصي ورذائل الأخلاق وما سوى الله نصف الإيمان، ونصفه الآخر عمارتها بالنظافة والطاعات ومعالي الأخلاق، والاستغراق في شهود جمال الحق وجلاله. ولا تظنن أن مراده (ص) إن مجرد تطهير الظاهر عن النجاسات بإضافة الماء نصف الإيمان، مع تلوث الجوارح بأخباث المعاصي، وتنجس القلب بأقذار مساوي الأخلاق، وتشوش السر وتكدره بما سوى الله.
فالمراد التطهير في المراتب الأربع، التي هي من مقامات الدين، وهي مرتبة يتوقف بعضها على بعض، ولا يمكن أن ينال العبد ما هو الفوق، ما لم يتجاوز ما دونه، فلا يصل إلى طهارة السر مما سوى الله، وعمارته بمعرفة الله، وانكشاف جلاله وعظمته، ما لم يفرغ عن طهارة القلب عن الأخلاق المذمومة، وتحليته بالملكات المحمودة. ولا يصل إلى ذلك ما لم يفرغ عن طهارة الجوارح من المعاصي وعمارتها بالطاعات. ولا يصل إلى ذلك ما لم يفرغ عن إزالة الخبث والحدث عن الظاهر، وعمارته بالنظافة والنزاهة.
فصل حقيقة الطهارة طهارة الظاهر، إما عن الخبث، أو عن الحدث، أو عن فضلات البدن، وما يتعلق بها من الأحكام الظاهرة الواجبة والمحرمة والمندوبة والمكروهة، مستقصاة في كتب الفقه.
وأما الآداب الباطنة لطهارة الخبث وإزالته عند التخلي لقضاء الحاجة،