الأولياء من تلوين الخطرات، وتوبة الأصفياء من التنفيس، وتوبة الخاص من الاشتغال بغير الله، وتوبة العام من الذنوب، ولكل واحد منهم معرفة وعلم في أصل توبته ومنتهى أمره، وذلك يطول شرحه هنا.
وأما توبة العام فإن يغسل باطنه من الذنوب بماء الحسرة، والاعتراف بجنايته دائما، واعتقاد الندم على ما مضى، والخوف على ما بقي من عمره ولا يستصغر ذنوبه فيحمله ذلك إلى الكسل، ويديم البكاء والأسف على ما فاته من طاعة الله، ويحبس نفسه عن الشهوات، ويستغيث إلى الله تعالى ليحفظه على وفاء توبته ويعصمه عن العود إلى ما سلف، ويروض نفسه في ميدان الجهاد والعبادة، ويقضي عن الفوائت من الفرائض، ويرد المظالم، ويعتزل قرناء السوء، ويسهر ليله ويظمأ نهاره، ويتفكر دائما في عاقبته، ويستعين بالله سائلا منه الاستقامة في سرائه وضرائه، ويثبت عند المحن والبلاء كي لا يسقط عن درجة التوابين، فإن في ذلك طهارة من ذنوبه، وزيادة في عمله، ورفعة في درجاته. قال الله - عز وجل -:
(فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) (39 - 40).
تتمة هل يشترط في التوبة القدرة على الذنب السابق؟
التوبة إنما تكون عن ذنب سبق مثله، (أما) () 41) ترك ذنب لم يسبق مثله حالا والعزم على تركه استقبالا لا يسمى توبة، بل يسمى تقوى، ويسمى صاحبه متقيا لا تائبا، ولذا يصح القول بأن النبي (ص) كان متقيا عن الكفر، ولا يصح القول بأنه كان تائبا عنه. ثم المراد بالمثل السابق أعم من أن يكون مثلا في الصورة أو المنزلة، فالشيخ الهرم الذي سبق منه الزنا وقطع الطريق، ولم يقدر الساعة على فعلهما إذا أراد التوبة عنهما، ينبغي أن يتوب عما يماثلهما منزلة ودرجة، كالقذف والسرقة وأمثالهما، إذ لا معنى للتوبة عما يماثلهما صورة - أعني نفس الزنا وقطع الطريق