بن مريم (ع) كان في مقام الانبساط والإدلال، ولإدلاله له سلم على نفسه، فقال:
(والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) (3).
وهذا انبساط منه لما شاهد من اللطف في مقام الأنس. وأما يحيى عليه السلام فإنه أقيم مقام الهيبة والحياء، فلم ينطق حتى سلم عليه خالقه، فقال:
(والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) (4) وانظر كيف أحتمل لأخوة يوسف ما فعلوا به، وقد قال بعض العلماء:
(قد عددت من أول قوله تعالى):
(إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا) (5).
إلى رأس العشرين آية من أخباره تعالى عنهم، فوجدت به نيفا وأربعين خطيئة، بعضها أكبر من بعض، وقد يجتمع في الكلمة الواحدة الثلاث والأربع، فغفر لهم وعفا عنهم، ولم يحتمل لعزيز في مسألة واحدة سأل عنها في القدر، حتى قيل: لئن عاد محي اسمه عن ديوان النبوة).
ومن فوائد هذه القصص في القرآن: أن تعرف بها سنة الله في عباده الذين خلوا من قبل، فما في القرآن شئ إلا وفيه أسرار وأنوار يعرفها الراسخون في العلم.
تذنيب العزلة إعلم أن من بلغ مقام الأنس، غلب على قلبه حب الخلوة والعزلة عن الناس، لأن المخالطة مع الناس تشغل القلب عن التوجه التام إلى الله.
فلا بد لنا من بيان أن الأفضل من العزلة والمخالطة أيهما، فإن العلماء في ذلك مختلفون، والأخبار أيضا في ذلك مختلفة، ولكل واحد منهما أيضا