الرضا فوقه، لو قطع النظر عن كون الصبر شكرا أيضا، ويكون الشكر فوق الرضا، إذ الصبر مع التألم والرضا يمكن بما لا ألم فيه ولا فرح، والشكر لا يمكن إلا على محبوب يفرح به، ولو لم يعتبر في مفهوم الصبر الكراهة والتألم، لصار الرضا والشكر في بعض درجاته، إذ يمكن أن يصل حال العبد في الحب مرتبة لا يتألم من البلاء أو يفرح به، لأنه يراه من محبوبه. وحينئذ، فترك الشكوى في البلاء مع الكراهة صبر، وبدونها رضا، ومع الفرح به شكر.
تنبيه القانون الكلي في معرفة الفضائل إعلم أن المعيار والقانون الكلي في معرفة فضائل الأعمال والأحوال وترجيح بعضها على بعض عند أرباب القلوب: أن العمل كلما كان أكثر تأثيرا في إصلاح القلب وتصفيته وتطهيره عن شوائب الدنيا، وأشد إعدادا له لمعرفة الله وانكشاف جلاله في ذاته وصفائه وأفعاله، كان أفضل. وعلى هذا القانون، لولا الاتحاد والعينية والتلازم بينهما، لكان اللازم أن يوازن بين كل درجة درجة من درجات الصبر والشكر وترجيح أحدهما، إذ لكل منهما درجات مختلفة في تنوير القلب وتصفيته، وسبب الاختلاف أسباب:
منها - الاختلاف بين أقسام النعم وأقسام البلاء.
ومنها - اختلاف مراتب المعرفة والفرح المأخوذين في الشكر، واختلاف الطاعة التي تفعل في كل منهما صعوبة وسهولة. فربما كان بعض درجات الصبر أشد تنويرا وأكثر إصلاحا للقلب من بعض درجات الشكر، وربما كان الأمر بعكس ذلك في بعض آخر من درجاتهما. فإن الأعمال والأحوال المندرجة تحت كل منهما كثيرة، وباختلافها - كثرة وقلة - تختلف درجاتهما.
فمن الأمور والأحوال التي تندرج تحت الشكر: حياء العبد من تتابع نعم الله عليه، ومعرفته بتقصيره عن الشكر، واعتذاره من قلة الشكر، واعترافه بأن النعم ابتداء من الله - تعالى - من غير استحقاقه لها، وعلمه بأن الشكر أيضا نعمة من نعمه ومواهبه، وحسن تواضعه بالنعم، والتذلل، وقلة اعتراضه، وحسن أدبه بين يدي المنعم وتلقي النعم بحسن القبول، واستعظام