الحسان). وقال بعض الأكابر،: إنما يستوحش الإنسان من نفسه لخلو ذاته عن الفضيلة فبملاقاة الناس ومخالطتهم يفرح ويطرد الوحشة من نفسه فإذا كانت ذاته فاضلة طلب الوحدة ليستعين بها على الفكرة، ويستخرج العلم والحكمة ومن هنا قيل: (الاستيناس بالناس من علامات الافلاس).
فمن تيسر له منزلة بدوام الذكر والأنس بالله، وبدوام الفكر والتحقيق في معرفة الله، فالتجرد والخلوة أفضل له من كل ما يتعلق بالمخالطة، فإن غاية العبادات وثمرة المجاهدة أن يموت الإنسان محبا لله عارفا بالله، ولا محبة إلا بالأنس الحاصل بدوام الذكر، ولا معرفة إلا بدوام الفكر، وفراغ القلب شرط لكل منهما، ولا فراغ مع المخالطة.
فإن قلت: لا منافاة بين المخالطة مع الناس والأنس بالله، ولذا كان الأنبياء مخالطين بالناس مع غاية استغراقهم في الشهود والأنس.
قلنا: لا يتسع للجمع بين مخالطة الخلق ظاهرا، والاقبال التام على الله سرا، إلا قوة النبوة. فلا ينبغي أن يغتر كل ضعيف بنفسه، فيطمع في ذلك. ثم، بما ذكرناه يظهر وجه الجمع بين الأخبار الواردة من الطرفين فإن ما ورد في فضيلة العزلة إنما هو بالنظر إلى بعض الناس، وما ورد في فضيلة المخالطة أنما هو بالنظر إلى بعض آخر.
ومنها:
السخط السخط فيما يخالف هواه من الواردات الإلهية والتقديرات الربانية، ويرادفه الإنكار والاعتراض، وهو من شعب الكراهة لأفعال الله، وهو ينافي الإيمان والتوحيد. وما للعبد العاجز الذليل المهين الجاهل بمواقع القضاء والقدر، والغافل عن موارد الحكم والمصالح، والاعتراض والانكار والسخط لأفعال الخالق الحكيم العليم الخبير، وأنى للعبد ألا يرضى بما يرضى به ربه، ولعمري! أن من يعترض على فعل الله فهو أشد الجهلاء، ومن لم يرض بالقضاء فليس لحمقه دواء. وقد ورد في الخبر القدسي:
(خلقت الخير والشر، فطوبى لمن خلقته للخير وأجريت الخير على يديه، وويل لمن خلقته للشر وأجريت الشر على يديه، وويل ثم ويل لمن قال لم