سيد الشهداء (ع) في دعاء عرفة بقوله: (أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك، حتى لم يحبوا سواك، ولم يلجأوا إلى غيرك)) 0 تكميل الشهود التام هو نهاية درجات العشق قد صرح أساطين الحكمة: (أن الأشياء المختلفة لا يمكن أن يحصل بينها تشاكل وتآلف تام حتى بينها الاتحاد والمحبة ببعض، ويحصل بينها التآلف والحب والوحدة والاتحاد).
والتوضيح: إن الجواهر البسيطة لتشاكلها وتماثلها يحن بعضها إلى بعض فيحصل بينها التآلف التام، والتوحد الحقيقي في الذوات والحقائق بحيث يرتفع عنها التغاير والاختلاف، إذ التغاير من لوازم المادية. وأما الماديات فلا يمكن أن يحصل بينها هذا التآلف والتوحد، ولو حصل بينهما تآلف وشوق، فإنما هو بتلافي السطوح والنهايات دون الحقائق والذوات وليس يمكن أن يبلغ مثل هذه الملاقاة إلى درجة الاتحاد والاتصال فيحصل بينها الانفصال. فالجوهر البسيط المودع في الإنسان - أعني النفس الناطقة - إذا صفي عن الكدورات الطبيعية، وتظهر الأخباث الجسمانية، وتخلى عن حب الشهوات والعلائق الدنيوية، انجذب بحكم المناسبة إلى عالم القدس، وحدث فيه شوق تام إلى أشباهه من الجوهر المجردة، ويرتفع منها إلى ما هو فوق الكل ومنبع جميع الخيرات، فيستغرق في مشاهدة الجمال الحقيقي، ومطالعة جمال الخير المحض، وينمحي في أنوار تجلياته القاهرة، ويصل إلى مقام التوحيد الذي هو نهاية المقامات، فيفيض عليه من أنواره ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على خاطر، فيحصل له من البهجة واللذة ما يضمحل عنده كل بهجة ولذة والنفس التي بلغت هذا المقام لا يتفاوت حالها كثيرا في حالتي التعلق بالبدن والتجرد عنه، وما يحصل لغيرها من السعادة في الآخرة يحصل لها في هذه النشأة امروز در آن كوش كه بينا باشي