والتكبير على كل شرف - يعني الحج -، وأبدلنا بالسياحة الصوم).
فأنعم الله على هذه الأمة، بأن جعل الحج رهبانية لهم، فهو بإزاء أعظم التكاليف والطاعات في الملل السابقة.
فصل ما ينبغي في الحاج ينبغي للحاج، عند توجهه إلى الحج، مراعاة أمور:
الأول - أن يجرد نيته لله، بحيث لا يشوبها شئ من الأغراض الدنيوية، ولا يكون باعثه على التوجه إلى الحج إلا امتثال أمر الله ونيل ثوابه، والاستخلاص من عذابه، فليحذر كل الحذر أن يكون له باعث آخر، مكنون في بعض زوايا قلبه، كالرياء والحذر عن ذم الناس وتفسيقهم لولا يحج، أو الخوف من الفقر وتلف أموالهم لو ترك الحج، لما اشتهر من أن (تارك الحج يبتلى بالفقر والإدبار)، أو قصد التجارة أو شغل آخر، فإن كل ذلك يخرج العمل من الإخلاص، ويحجبه عن الفائدة وترتب الثواب الموعود، وما أجهل من تحمل الأعمال الشاقة التي يمكن أن تحصل بها سعادة الأبد، لأجل خيالات فاسدة لا يترتب عليها سوى الخسران فائدة فيجتهد كل الجهد أن يجعل عزمه خالصا لوجه الله، بعيدا عن شوائب الرياء والسمعة ويتيقن أنه لا يقبل من قصده وعمله إلا الخالص، وأن من أفحش الفواحش أن يقصد بيت الملك وحرمه والمقصود غيره، فليصحح في نفسه العزم، وتصحيحه بإخلاصه باجتناب كل ما فيه رياء وسمعة.
الثاني - أن يتوب إلى الله تعالى توبة خالصة، ويرد المظالم، ويقطع علاقة قلبه عن الالتفات إلى ما وراءه، ليكون متوجها إلى الله بوجه قلبه، ويقدر أنه لا يعود، وليكتب وصيته لأهله وأولاده، ويتهيأ لسفر الآخرة، فإن ذلك بين يديه على قرب، وما تقدمه من هذا السفر تهيئة لأسباب ذلك السفر، فهو المستقر وإليه المصير. فلا ينبغي أن يغفل عن ذلك عند الاستعداد لهذا، فليتذكر عند قطعه العلائق لسفر الحج قطع العلائق لسفر الآخرة.
الثالث - أن يعظم في نفسه قدر البيت وقدر رب البيت، ويعلم أنه ترك الأهل والأوطان، وفارق الأحبة والبلدان، للعزم على أمر رفيع شأنه،