قال: جزاؤه أن ألبسه الأمان، لا أنزعه عنه أبدا). وقال لابنه سليمان (ع) (يستدل على تقوى المؤمن بثلاث: حسن التوكل في ما لم ينل، وحسن الرضا فيما قد نال، وحسن الصبر فيما قد فات). وروي: (أن من ابتلي بموت ثلاثة أولاد. لم يرد على النار أصلا).
تذنيب اختلاف مراتب الصبر في الثواب لما كان الصبر على العافية بمعنى ترك الشهوات المحرمة وعدم الانهماك فيها فهو راجع إلى الصبر عن المعصية. وعلى هذا فأقسام الصبر ثلاثة:
الصبر على المصائب والنوائب، والصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية.
ثم ما تقدم من الخبر النبوي صريح في كون الأول أقل ثوابا، والآخر أكثر ثوابا، والوسط وسطا بينهما. وربما ظهر من بعض الأخبار: كون الأول أكثر ثوابا. وأبو حامد الغزالي رجح الأول أولا، وبه صرح بعض المتأخرين من أصحابنا للخير النبوي، ثم رجح الثاني ثانيا محتجا بما روي عن ابن عباس أنه قال: (الصبر في القرآن على ثلاثة أوجه: صبر على أداء فرائض الله - تعالى - فله ثلاثمائة درجة، وصبر عن محارم الله تعالى - وله ستمائة درجة، وصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى، فله تسعمائة درجة). وبأن كل مؤمن يقدر على الصبر عن المحارم، وأما الصبر على بلاء الله فلا يقدر عليه إلا ببضاعة الصديقين، لكونه شديدا على النفس.
وعندي: أن القول بكون أحدهما أكثر ثوابا على الإطلاق غير صحيح إذ القول بأن الصبر عن كلمة كذب أو لبس ثوب من الحرير لحظة، أكثر ثوابا من الصبر على موت كثير من أعز الأولاد بعيد، وكذا القول بأن الصبر على فقد درهم أكثر ثوابا من كف النفس عن كبائر المعاصي، وفطامها عن ألذ اللذات والشهوات مع القدرة عليها أبعد، فالصواب: التفضيل بأن كل صبر من أي قسم كان من الثلاثة إذا كان على النفس أشد وأشق فثوابه أكثر مما كان أسهل وأيسر، كائنا ما كان، لما ثبت وتقرر أن أفضل الأعمال أحمزها، وبه يحصل الجمع والتلاؤم بين الأخبار.