بالمحبوب، وكل ما يتردد العبد فيه وينظر إليه من الموجودات هو صنع الله تعالى، فله في النظر منها إلى الصانع مجال إن فتحت له أبواب الملكوت.
(وقسم) ينظرون فيه بعين الحرص والشهوة، وليس نظرهم إلى الطعام إلا من حيث يوافق شهوتهم وتلتذ به ذائقتهم، ولذلك يذمونه لو لم يوافق هواهم، وهؤلاء أكثر أهل الدنيا.
وثالثها - أي ثالث مقامات المرابطة وأعمالها - هو (المحاسبة) بعد العمل، فإن العبد كما يختار وقتا في أول كل يوم ليشارط في النفس على سبيل التوصية بالحق، ينبغي له أن يختار وقتا آخر كل يوم ليطالب النفس فيه بما أوصى به، ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها، كما يفعل التجار في آخر كل سنة مع الشركاء. وهذا أمر لازم على كل سالك لطريق الآخرة معتقد للحساب في يوم القيامة، وقد ورد في الأخبار: أن العاقل ينبغي أن يكون له أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر في صنع الله، وساعة يخلو فيها للمطعم والمشرب. ولذلك كان الصدر الأول من الخائفين ومن تقدمنا من سلفنا الصالحين في غاية السعي والاهتمام في محاسبة النفس بحيث كانت عندهم من الطاعات الواجبة: وكانوا أشد محاسبة لنفوسهم من سلطان غاشم: ومن شريك شحيح، ويعتقدون أن العبد لا يكون من أهل التقوى والورع حتى يحاسب نفسه أتم من محاسبة شريكه وأن من لا يحاسب نفسه إما معتوه أحمق أو لا يعتقد بحساب يوم القيامة، إذ العاقل المعتقد به مع أهواله وشدائده وما يوجبه من الخجلة والحياء والافتضاح، إذا علم أن محاسبة النفس في الدنيا تسقطه أو توجب خفته، كيف يجوز له أن يتركها؟
ثم كيفية المحاسبة بعد العمل: أن يطالب نفسه أولا بالفرائض التي هي بمنزلة رأس ماله، فإن أدتها على وجهها شكر الله عليه ورغبها في مثلها، وإن فوتتها من أصلها طالبها بالقضاء، وإن أدتها ناقصة كلفها بالجبران بالنوافل، وإن ارتكب معصية أشتغل بعتابها وتعذيبها ومعاقبتها، واستوفى منها ما يتدارك به ما فرط به، كما يصنع التاجر بشريكه. وكما أنه يفتش في حساب الدنيا عن الحبة والقيراط والنقير والقطمير، فيحفظ مداخل الزيادة