لما ظهر الشيطان لبعض الأولياء في وقت النزع - وكان قد بقي له نفس - قال: (أفلت مني يا فلان!؟)، فقال: (لا! بعد).
الطائفة الخامسة أهل العبادة والعمل والمغرورون منهم فرق كثيرة:
(فمنهم) من غلبت عليه الوسوسة في إزالة النجاسة وفي الوضوء، فيبالغ فيه ولا يرتضي الماء المحكوم بالطهارة في فتوى الشرع، ويقدر الاحتمالات البعيدة الموجبة للنجاسة، وإذا آل الأمر إلى الأكل وأخذ المال قدر الاحتمالات الموجبة للحل، بل ربما أكل الحرام المحض وقدر له محملا بعيدا لحله ولو انقلب هذا الاحتمال من الماء إلى الطعام لكان أشبه بسيرة أكابر الأولياء. ثم من هؤلاء من يخرج إلى الإسراف في صبه الماء وربما بالغ عند الوضوء في التخليل وضرب إحدى يديه على وجهه أو يده الأخرى ولا يدري هذا المغرور أن هذا العمل أن كان مع اليقين بحصول ما يلزم شرعا فهو تضييع للعمر الذي هو أعز الأشياء فيما له مندوحة عنه، وإن كان بدونه بل يحتاط في التخليل ليحصل الجزم بوصول الماء إلى البشرة، فما باله يتيقن بوصول الماء إلى البشرة في الغسل بدون هذه المبالغة والاحتياط مع أن حصول القطع بإيصال الماء إلى البشرة في الغسل ألزم وأوجب. ثم ربما لم يكن له مبالغة واحتياط في الصلاة وسائر العبادات، وانحصر احتياطه ومبالغته بالوضوء، زاعما أن هذا يكفي لنجاته، فهو مغرور في غاية الغرور.
و (منهم) من أغتر بالصلاة فغلبت عليه الوسوسة في نيتها فلا يدعه الشيطان حتى يعقد نية صحيحة، بل يشوش عليه حتى تفوته الجماعة أو فضيلة الوقت، وقد يوسوس في التكبير حتى يغير صيغتها لشدة الاحتياط فيه، يفعل ذلك في أول صلاته ثم يغفل في جميع صلاته، ولا يحضر قلبه، ويغتر بذلك، ويظن أنه إذا أتعب نفسه في تصحيح النية فهو على خير. وربما غلبت على بعضهم الوسوسة في دقائق القراءة، وإخراج حروف الفاتحة وسائر الأذكار عن مخارجها، فلا يزال يحتاط في التشديدات وتصحيح المخارج