بها التوسل إلى العبادات وما يؤدي إلى التقرب والسعادة. ولكنه - سبحانه - كلفهم أيضا بالا يثقوا إلا به، ولا يعتمدوا على الأسباب. كما إنه - سبحانه - كلفهم بالا يتكلوا على أعمالهم الحسنة، بل على فضله ورحمته. فمعنى التوكل المأمور به في الشريعة: اعتماد القلب على الله في الأمور كلها، وانقطاعه عما سواه. ولا ينافيه تحصيل الأسباب إذا لم يسكن إليها، وكان سكونه إلى الله - سبحانه - دونها مجوزا في نفسه أن يؤتيه الله مطلوبه من حيث لا يحتسب، دون هذه الأسباب التي حصلها، وأن يقطع الله هذه الأسباب عن مسبباتها.
فصل الأسباب التي لا ينافي السعي إليها التوكل الأسباب التي لا ينافي تحصيلها ومزاولتها للتوكل، هي الأسباب القطعية أو الظنية، وهي التي يقطع أو يظن بارتباط المسببات بها بتقدير الله ومشيته ارتباطا مطردا لا يتخلف عنها، سواء كانت لجلب نفع أو لدفع ضر منتظر أو لإزالة آفة واقعة، وذلك كمد اليد إلى الطعام للوصول إلى فيه، وحمل الزاد للسفر، واتخاذ البضاعة للتجارة، والوقاع لحصول الأولاد، وأخذ السلاح للعدو، والادخار لتجدد الاضطرار، والتداوي لإزالة المرض، والتحرز عن النوم في ممر السيل ومسكن السباع وتحت الحائط المائل، وغلق الباب، وعقل البعير، وترك الطريق الذي يقطع أو يظن وجود السارقين أو السباع الضارة فيه... وقس عليها غيرها.
وأما الأسباب الموهومة، كالرقية، والطيرة، والاستقصاء في دقائق التدبير، وإبداء التمحلات لأجل التبديل والتغيير، فيبطل بها التوكل، لأن أمثال ذلك ليست بأسباب عند العقلاء، وليست مما أمر الله - تعالى - بها، بل ورد النهي عنها، على أن المأمور به الإجمال في الطلب وعدم الاستقصاء قال رسول الله (ص): (إلا أن الروح الأمين نفت في روعي:
أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله - تعالى - وأجملوا في طلب). وقال (ص): (ما أجمل في الطلب من ركب البحر).
وقال الصادق (ع): (ليكن طلب المعيشة فوق كسب المضيع، ودون طلب