ذلك بالذنوب. ولا مقرب من لقاء الله إلا قطع علاقة القلب من زخرف هذا العالم، والاقبال بالكلية على الله، طلبا للأنس به بدوام الذكر، والمحبة له بدوام الفكر في عظمته وجلاله وجماله على قدر طاقته، ولا ريب في أن الانصراف عن طريق البعد الذي هو الشقاوة واجب للوصول إلى القرب الذي هو السعادة، ولا يتم ذلك إلا بالتوبة التي عبارة عن العلم والندم والعزم، ولا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، فالتوبة واجبة قطعا.
تذنيب تحقيق في وجوب التوبة كيف لا تكون التوبة عن المعاصي واجبة، مع أن العلم بضرر المعاصي وكونها مهلكة من أجزاء الإيمان ووجوب الإيمان ومما لا ريب فيه، والعالم بهذا العلم إذا لم يعمل به فكما لا يعلمه أو ينكره فلا يكون له هذا الجزء من الإيمان، لأن كل علم يراد ليكون باعثا على العمل، فلا يقع التفصي عن عهدته ما لم يصير باعثا، فالعلم بضرر الذنوب إنما، أريد ليكون باعثا على تركها فمن لم يتركها فهو فاقد لهذا الجزء من الإيمان، وهو المراد بقول النبي (ص): (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، وما أراد به نفي الإيمان بالله ووحدانيته وصفاته وكتبه ورسله، فإن ذلك لا ينافي الزنا والمعاصي، وإنما أراد به نفي الإيمان بالله لكون الزنا مبعدا عن الله وموجبا لسخطه، وليس الإيمان بابا واحدا، بل هو - كما ورد - نيف وسبعون بابا، أعلاها الشهادتان وأدناها إماطة الأذى عن الطريق،، ومثاله قول القائل : ليس الإنسان موجودا واحدا، بل هو نيف وسبعون موجودا، أعلاها الروح والقلب وأدناها إماطة الأذى عن البشرة، بأن يكون مقصوص الشارب مقلوم الأظافر نقي البشرة عن الخبث، حتى يتميز عن البهائم المرسلة المتلوثة بأرواثها، المستكرهة الصور بطول مخالبها وأظافرها، فالإيمان كالانسان، وفقد الشهادتين كفقد الروح الذي يوجب البطلان بالكلية، والذي ليس له إلا شهادة التوحيد والرسالة ويترك سائر أجزائه من الأعمال، فهو كإنسان مقطوع الأطراف مفقوء العينين، فاقد لجميع أعضائه الظاهرة والباطنة،