مرد له إلا أن يشترط ما ينطلق عليه الاسم، ولو في اللحظة الواحدة، وأولى اللحظات به لحظة التكبير والتوجه، فاقتصر على التكليف بذلك. ونحن - مع ذلك - نرجو ألا يكون حال الغافل في جميع صلاته مثل حال التارك بالكلية، فإنه على الجملة أقدم على الفعل ظاهرا، واحضر القلب لحظة، وكيف لا والذي صلى مع الحدث ناسيا صلاته باطلة عند الله، ولكن له أجر ما بحسب فعله وعلى قدر قصوره وعذره؟ والحاصل: أن الإقبال والحضور هو روح الصلاة، وإن أقل ما يبقى به الروح الحضور عند التكبير، فالنقصان منه هلاك، وبقدر الزيادة عليه تنبسط الروح في أجزاء الصلاة، وكم من حي لا حراك فيه قريب من الميت، فصلاة الغافل في جميعها، إلا عند التكبير، حي لا حراك فيه.
فصل شرائط الصلاة إعلم أن للمعاني الباطنة المذكورة أسبابا لا تتحقق بدونها.
أما حضور القلب: فسببه الاهتمام.
فإن قلت: كل واحد تابع لهمه، فلا يحضر إلا فيما يهمه، ومهما أهمه أمر حضر فيه قلبه، شاء أو لم يشأ، فهو مجبول عليه مسخر فيه، والقلب إذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلا، بل كان حاضرا فيما يهمه من أمور الدنيا. فلا حيلة ولا علاج لإحضار القلب في الصلاة إلا بصرف الهمة إليها، والهمة لا تنصرف إليها ما لم يتيقن أن الآخرة خير وأبقى، وإن الصلاة وسيلة إليها. وإذا أضيف إلى هذا العالم بحقارة الدنيا ومهانتها، حصل من مجموع ذلك حضور القلب في الصلاة. ولكون الباعث والسبب لإحضار القلب في أمر إنما هو الاهتمام والاعتناء بشأنه، ترى قلبك يحضر إذا حضرت بين يدي ملك من ملوك الدنيا، بل بين يدي بعض الأكابر ممن لا يقدر على نفعك وضرك. فإذا كان لا يحضر قلبك عند المناجاة مع ملك الملوك الذي بيده الملك والملكوت، والنفع والضر، فلا تضنن أن له سببا سوى ضعف الإيمان واليقين. فينبغي حينئذ السعي في تقوية اليقين والإيمان.
وأما التفهم: فسببه - بعد حضور القلب - أدمان الفكر، وصرف