ما يخالفه ويؤلمه، وإلى ما لا يؤثر فيه بالذاذ وإيلام، فالقسم الأول يكون مرغوبا عند المدرك، ويسمى رغبة، وميله إليه حبا، والقسم الثاني يكون منفورا عنده، وتسمى نفرته عنه كراهة وبغضا، والثالث لا يوصف بميل وكراهة، فلا يوصف بكونه محبوبا، ولا مكروها. ثم اللذة لما كانت عبارة عن إدراك الملائم الملذ ونيله، فالحب الذي هو الميل والرغبة إليه لا يخلو عن لذة محققة أو خيالية، وعلى هذا فيمكن أن تعرف المحبة بأنها ابتهاج النفس بإدراك الملائم ونيله، هذا فإنك قد عرفت أن المدرك إن كان مما يستحسن حبه شرعا وعقلا، كان كراهته وبغضه من الرذائل وحبه من الفضائل وإن كان مما يذم حبه، كان بالعكس من ذلك. فصل تعلق الحب بجميع القوى والحب والكراهة لما كانا تابعين للادراك، فينقسمان بحسب انقسام القوة المدركة، التي هي الحواس الظاهرة، والحواس الباطنة، والقوة العاقلة. فمن الحب ما يتعلق بالحواس الظاهرة، بمعنى أن المحبوب مما هو مدرك وملذ عندها، كالصور الجميلة المرئية، والنغمات الموزونة، والروائح الطيبة، والمطاعم النفيسة، والملبوسات اللينة بالنظر إلى الخمس الظاهرة.
ومنه ما يتعلق بالحواس الباطنة، بمعنى أن المحبوب مما هو مدرك وملذ عندها، كالصور الملائمة الخيالية، والمعاني الجزئية الملائمة بالنسبة إلى المتخيلة والواهمة. ومنه ما يتعلق بالعاقلة، بمعنى أن المحبوب مما هو مدرك وملذ عندها، كالمعاني الكلية، والذوات المجردة. ولا ريب في أن العقلي من الحب واللذات أقوى اللذات وأبلغها، إذ البصيرة الباطنة أقوى من البصيرة الظاهرة والعقل أقوى إدراكا وأشد غوصا ونفوذا في حقائق الأشياء وبواطنها من الحس، وجمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصورة الظاهرة الحسنة، فتكون لذة العقل وحبه بما يدركه من الأمور الشريفة الإلهية التي جلت عن إدراك الحواس أتم وأبلغ، ولذا جعل رسول الله (ص) الصلاة أبلغ المحبوبات عنده في الدنيا، حيث قال: (حبب إلي من دنياكم ثلاث:
ج: 3