ولأبعدنه من وصلي، أيؤمل غيري في الشدائد والشدائد بيدي؟ ويرجو غيري؟ ويقرع بالفكر باب غيري، وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة؟
وبابي مفتوح لمن دعاني، فمن ذا الذي أملني لنوائبه فقطعته دونها، ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه مني؟ جعلت آمال عبادي عندي محفوظة، فلم يرضوا بحفظي، وملأت سماواتي ممن لا يمل من تسبيحي، وأمرتهم ألا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي، فلم يثقوا بقولي، ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي أنه لا يملك كشفها أحد غيري إلا من بعد أذني؟
فما لي أراه لاهيا عني؟ أعطيته بجودي ما لم يسألني، ثم انتزعته عنه فلم يسألني رده، وسأل غيري، أفتراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة؟ ثم أسأل فلا أجيب سائلي؟ أبخيل أنا فيبخلني عبدي؟ أوليس الجود والكرم لي؟
أوليس العفو والرحمة بيدي؟ أولست أنا محل الآمال؟ فمن يقطعها دوني؟
أفلا يخشى المؤملون أن يؤملوا غيري؟ فلو أن أهل سماواتي وأهل أرضي أملوا جميعا، ثم أعطيت كل واحد منهم مثلما أمل الجميع، ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة، وكيف ينقص ملك أنا قيمه؟ فيا بؤسا للقانطين من رحمتي! ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبني! (35) فصل درجات التوكل للتوكل في الضعف والقوة ثلاث درجات:
الأول - أن يكون حاله في حق الله والثقة بعنايته وكفالته كحاله بالثقة بالوكيل، وهذه أضعف الدرجات ويكثر وقوعها ويدوم مدة مديدة، ولا ينافي أصل التدبير والاختيار بل ربما زاول كثيرا من التدبيرات بسعيه واختياره. نعم ينافي بعض التدبير، كالتوكل على وكيله في الخصومة، فإنه يترك تدبيره من غير جهة الوكيل، ولكن لا يترك التدبير الذي أشار إليه