وهلاكه، لصيرورة الأوساخ جزءا من جوهره، كما أن الثواب الذي غاص الوسخ في تجاويفه وخلله وتراكم فيه، لو بولغ في تطهيره بالماء والصابون أدى ذلك إلى انخراقه. وهذا حال أكثر الخلق المقبلين على الدنيا المعرضين عن الله، فإنهم لا يرجعون ولا يتوبون، لصيرورة ذمائم الأخلاق ورذائلها ملكات راسخة في نفوسهم وغاصت أوساخها في تجاويف قلوبهم، بحيث لا يتنبهون ولا يتيقظون حتى يقصدوا التوبة، ولو قصدوها فإنما هو بمجرد اللسان، والقلب غافل خال عن الإيمان، بل تتعذر عليه التوبة لبطلان حقيقتها. فصل طرق التوبة عن المعاصي إعلم أن ما عنه التوبة هي الذنوب التي علمت تفاصيلها في هذا الكتاب، وهي - كما ذكرناها - لا تخلو عن الصفات والأفعال الشيطانية المتعلقة بالوهم، والصفات والأفعال السبعية المتعلقة بالقوة السبعية، والصفات والأفعال البهيمية المتعلقة بالقوة البهيمية. ومن حيث تعلق التوبة بها وكيفية الخروج عنها ينقسم إلى أقسام ثلاثة:
أحدها - ترك الطاعات الواجبة: من الصلاة، والصوم، والزكاة، والخمس، والكفارة وغيرها. وطريق التوبة عنها: أن يجتهد في قضائها بقدر الإمكان.
وثانيها - المحرمات التي بين العبد وبين الله، أعني المنهيات التي هي حقوق الله: كشرب الخمر، وضرب المزامير، والكذب، والزنا بغير ذات بعل. وطريق التوبة عنها: أن يندم عليها، ويوطن قلبه على ترك العود إلى مثلها أبدا.
وثالثها - الذنوب التي بينه وبين العباد، وهي المعبر عنها بحقوق الناس، والأمر فيها أصعب وأشكل، وهي إما في المال، أو في النفس، أو في العرض أو في الحرمة، أو في الدين:
فما كان في (المال): يجب عليه أن يرده إلى صاحبه إن أمكنه، فإن عجز عن ذلك لعدم أو فقر، وجب أن يستحل منه، وإن لم يحل أو