بأسرها إلى الله، مع قطع تعلقه عليها بالكلية، بمعنى ألا يكون طبعه متعلقا بشئ منها. فهو فوق الرضا، إذ في مرتبة الرضا كلما يفعل الله به يوافق طبعه، فالطبع ملحوظ ومنظور له، وفي مرتبة التسليم يجعل الطبع وموافقته ومخالفته كلها موكلة إلى الله - سبحانه -، وفوق مرتبة التوكل أيضا، إذ التوكل - كما يأتي - عبارة عن الاعتماد في أموره على الله، فهو بمنزلة توكيل الله في أموره، وكأنه يجعل الله - تعالى - بمثابة وكيله، فيكون تعلقه بأموره باقيا، وفي مرتبة التسليم بقطع العلاقة من الأمور المتعلقة به بالكلية ومنها:
الحزن وهو التحسر والتألم، لفقد محبوب، أو فوت مطلوب. وهو أيضا، كالاعتراض والانكار، ومترتب على الكراهة للمقدرات الإلهية.
والفرق: إن الكراهة في الاعتراض أشد من الكراهة في الحزن، كما أن ضد الكراهة - أعني الحب في ضدهما - بعكس ذلك، أي ظهوره في السرور الذي ضد الحزن أشد من ظهوره في الرضا الذي هو ضد الاعتراض.
فإن الرضا هو منع النفس في الواردات من الجزع مع عدم كراهة وفرح، والسرور هو منعها فيها عن الجزع مع الابتهاج والانبساط. فالسرور فوق الرضا في الشرافة، كما أن الحزن تحت الاعتراض في الخسة والرذالة، وسبب الحزن وشدة الرغبة في المشتهيات الطبيعية، والميل إلى مقتضيات قوتي الغضب والشهوة، وتوقع البقاء للأمور الجسمانية. وعلاجه: أن يعلم أن ما في عالم الكون والفساد من: الحيوان، والنبات، والجماد، والعروض، والأموال، في معرض الفناء والزوال، وليس فيها ما يقبل البقاء وما يبقى ويدوم هو الأمور العقلية، والكمالات النفسية المتعالية عن حيطة الزمان وحوزة المكان وتصرف الأضداد وتطرق الفساد. وإذا تيقن بذلك زالت عن نفسه الخيالات الفاسدة، والأماني الباطلة. فلا يتعلق قلبه بالأسباب الدنيوية، ويتوجه بشراشره إلى تحصيل الكمالات العقلية، والسعادات الحقيقية الموجبة للاتصال بالجواهر النورية الباقية، والمجاورة للأنوار القادسة الثابتة، فيصل إلى مقام البهجة والسرور، ولا تلحقه أحزان