الهيبة، وظاهرك في ستر الطاعة. واعتبر بفضل الله، حيث خلق أسباب اللباس ليستر بها العورات الظاهرة، وفتح أبواب التوبة والإنابة والإغاثة ليستر بها عورات الباطن من الذنوب وأخلاق السوء. ولا تفضح أحدا حيث ستر الله عليك ما أعظم منه. واشتغل بعيب نفسك واصفح عما لا يعنيك حاله وأمره. واحذر أن يفنى عمرك بعمل غيرك، ويتجر برأس مالك غيرك وتهلك نفسك، فإن نسيان الذنوب من أعظم عقوبة الله في العاجل، وأوفر أسباب العقوبة في الآجل. وما دام العبد منشغلا بطاعة الله تعالى، ومعرفة عيوب نفسه، وترك ما يشين في دين الله عز وجل، فهو بمعزل عن الآفات، خائض في بحر رحمة الله عز وجل، يفوز بجواهر الفوائد من الحكمة والبيان. وما دام ناسيا لذنوبه، جاهلا بعيوبه، راجعا إلى حوله وقوته، لا يفلح إذا أبدا) (24).
فصل آداب المصلي إذا أتيت مصلاك، فاستحضر فيه أنك كأن بين يدي ملك الملوك، تريد مناجاته، والتضرع إليه، والتماس رضاه، ونظره إليك بعين الرحمة.
فاختر مكانا يصلح، كالمساجد الشريفة، والمشاهد المطهرة، مع الإمكان.
فإنه تعالى جعل تلك المواضع محلا لإجابته، وموضع تزول فيوضاته ورحمته، على مثال حضرة الملوك، الذين يجعلونها وسيلة لنيل المقاصد والمطالب.
فأدخلها بالسكينة والوقار، ومراقبا للخشوع والانكسار. قال الصادق (ع):
(إذا بلغت باب المسجد، فاعلم أنك قد قصدت باب ملك عظيم، لا يطأ بساطه إلا المطهرون، ولا يؤذن لمجالسته إلا الصديقون، فهب القدوم إلى بساط هيبة الملك، فإنك على خطر عظيم إن غفلت، فاعلم أنه قادر على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك. فإن عطف عليك برحمته وفضله، قبل منك يسير الطاعة، وأجزل لك عليها ثوابا كثيرا. وإن طالبك باستحقاقه الصدق والاخلاص عدلا بك، حجبك ورد طاعتك وإن كثرت. وهو فعال لما يريد. واعترف بعجزك وتقصيرك وانكسارك وفقرك بين يديه، فإنك قد