والنقصان حتى لا يغبن في شئ منها، كذلك ينبغي أن يفتش عن أفعال النفس ويضيق عليها وليتق غائلتها وحيلتها، فإنها خداعة مكارة ملبسة، فليطالبها أولا بتصحيح الجواب عن جميع ما تكلم به طول نهاره، وليتكفل بنفسه من الحساب قبل أن يتولاه غيره في صعيد القيامة، ثم بتصحيح الجواب عن جميع أفعاله وأحواله: من نظره، وقيامه، وقعوده، ونومه، وأكله، وشربه، حتى عن سكوته لم سكت، وعن سكونه لما سكن، وعن خواطره، وأفكاره، وصفاته النفسية، وأخلاقه القلبية، فإن خرجت عن عهدة الجواب عن الجميع، بحيث أدت الحق في الجميع، ولم تترك شيئا مما يجب عليها، ولم ترتكب شيئا من المعاصي: حصل لها الفراغ من حساب هذا اليوم، ولم يكن شيئا باقيا عليها، وإن أدت الحق في البعض دون البعض، كان قدر ما أدت الحق فيه محسوبا لها، ويبقى غيره باقيا عليها فيثبته عليها، وليكتب على صحيفة قلبه كما يكتب الباقي على شريكه على قلبه وعلى جريدته، ثم النفس غريم يمكن أن تستوفى منها الديون، أما بعضها فبالغرامة والضمان، وبعضها برد عينه، وبعضها بالعقوبة لها على ذلك، ولا يمكن شيئا من ذلك إلا بعد تحقق الحساب وتمييز الباقي من الحق الواجب عليه، فإذا حصل ذلك أشتغل بعده بالمطالبة والاستيفاء.
ورابعها - وهو آخر مقامات المرابطة - (معاتبة النفس) ومعاقبتها على تقصيرها، والمجاهدة بتكليفها الطاعات الشاقة، وإلزامها الرياضات الشديدة، فإنه إذا حاسب نفسه، فوجدها خائنة في الأعمال، مرتكبة للمعاصي، مقصرة في حقوق الله، متوانية بحكم الكسل والبطالة في شئ من الفضائل، فلا ينبغي أن يهملها، إذ لو أهملها سهل عليه مقارفة المعاصي، وأنس بها بحيث عثر بعد ذلك فطامها عنها. فينبغي للعاقل أن يعاتبها أولا، ويقول: أف لك يا نفس! هلكتيني وعن قريب تعذبين في النار مع الشياطين والأشرار، فيا أيتها النفس الأمارة الخبيثة! أما تستحين وعن عيبك لا تنتهين؟! فما أعظم جهلك وحماقتك! أما تعرفين أن بين يديك الجنة والنار وأنت صائرة إلى إحداهما عن قريب؟ فما لك تضحكين وتفرحين وباللهو والعصيان تشتغلين؟ أما علمت أن الموت يأتي بغتة من غير إخبار، وهو