الأخوان والأقارب. وكلما كان السبب أقرب كانت المحبة أوكد، ولذا تكون محبة الأخوين أشد من محبة أبناء الأعمام مثلا، ومن عرف الله وانتساب الكل إليه، وبلغ مقام التوحيد، وعرف النسبة والربط الخاص الذي بين الله وبين مخلوقاته، يحب جميع الموجودات من حيث اشتراكه معها في الموجد الحقيقي. ثم قد يجتمع بعض أسباب المحبة أو أكثرها في شخص واحد، فيتضاعف الحب، كما لو كان لرجل ولد جميل الصورة، حسن الخلق، كامل العلم، حسن التدبير، محسن إلى والده وإلى الخلق كان حب والده له في غاية الشدة، لاجتماع أكثر أسباب الحب فيه، وربما أحب شخصا آخر لوجود بعض أسباب الحب فيه من دون عكس، لعدم تحقق سبب من أسباب الحب فيه، وقد تختلف فيهما أسباب الحب، فيحب كل منهما الآخر من جهة، وتكون قوة الحب بقدر قوة السبب، فكلما كان السبب أكثر وأقوى كان الحب أشد وأوكد.
فصل لا محبوب حقيقة إلا الله إعلم أنه لا مستحق للحب غير الله - سبحانه -، ولا محبوب بالحقيقة عند ذوي البصائر إلا هو، ولو كان غيره - تعالى - قابلا للحب وموضعا له فإنما هو من حيث نسبته إليه - تعالى -، فمن أحب غيره - تعالى - لا من حيث نسبته إليه، فذلك لجهله وقصوره في معرفة الله، وكيف يكون غيره - سبحانه - من حيث هو: لا من جهة انتسابه إليه، مستحقا للحب وهو في نفسه مع قطع النظر عنه - تعالى - وعن انتسابه إليه ليس إلا العدم، والعدم كيف يصلح للحب، فينبغي أن يكون حبه لعموم الخلق بعموم النسبة، أي من حيث أنها منه - تعالى -، وآثاره، ومعلولاته، وأضواؤه وأظلاله، ولخصوص بعض الخواص الذين لهم خصوصية نسبة إليه - تعالى -، كالحب، والأنس، والمعرفة، والإطاعة لخصوص النسبة أيضا.
ومما يوضح المطلوب: إن جميع أسباب الحب مجتمعة في حق الله - تعالى -، ولا توجد في غيره حقيقة، ووجودها في حق غيره وهم وتخيل