وإنما حكم الكبيرة أن اجتنابها يكفر الصغائر وأن الصلوات الخمس لا تكفرها، وهذا أمر يتعلق بالآخرة، والابهام أليق به، حتى يكون الناس على وجل وحذر، فلا يتجرؤن على الصغائر اعتمادا على الصلوات الخمس واجتناب الكبائر.
فصل الصغائر قد تكون كبائر إعلم أن الصغيرة قد تكبر بأسباب:
أحدها - الإصرار والمواظبة، ولذلك قال الصادق (ع): (لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار). والسر فيه: أن الصغيرة لقلة تأثيرها لا تؤثر في القلب بإظلامه مرة أو مرتين، ولكن إذا تكررت وتراكمت آثارها الضعيفة صارت قوية وأثرت على التدريج في القلب، وذلك كما أن قطرات من الماء تقع على الحجر على توال فتؤثر فيه، وذلك القدر من الماء لو صب عليه دفعة لم يؤثر، ولذلك قال رسول الله (ص): (خير الأعمال أدومها، وأن قل). وإذا كان النافع هو الطاعة الدائمة وأن قلت، فكذلك الضار هو السيئة الدائمة وأن قلت. ثم معرفة الإصرار موكول إلى العرف، قال الباقر (ع) في قوله تعالى:
(ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) (14):
(الإصرار: أن يذنب الذنب، فلا يستغفر ولا يحدث نفسه بتوبة، فذلك الإصرار).
وثانيها - استصغار الذنب، فإن العبد كلما استعظمه من نفسه صغر عند الله، وكلما استصغره كبر عند الله، لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب عنه وكراهته له، وذلك النفور يمنع من شدة تأثره به، واستصغاره يصدر عن الألف به، وذلك يوجب شدة الأثر في القلب، والقلب هو المطلوب تنوره بالطاعات والمحذور تسويده بالسيئات، ولذلك لا يؤخذ بما يجري عليه في الغفلة، لعدم تأثره به، ولذلك ورد في الخبر: (إن المؤمن