المطمئنة! ارجعي إلى ربك راضية مرضية)، فتدخل في زمرة الصديقين السابقين، وتنسلك في سلك عباده الصالحين، أو يغلب داعي الهوى وينقهر باعث الدين، بحيث لا تبقى له قوة المنازعة، وييأس عن المجاهدة والمقاومة، فتسلم نفسه الشريفة الملكوتية التي هي سر الله ووديعته إلى حزب الشيطان.
ومثله مثل من أخذ أعز أولاده المتصف بجميع الكمالات، ويسلمه إلى الكفار من أعدائه، فيقتلونه لديه، ويحرقونه بين يديه، بل هو أسوأ حالا منه بمراتب كما لا يخفى. إذ لا يكون لأحدهما الغلبة التامة، بل يكون بينهما تنازع وتجاذب، فتارة يغلب هذا، وتارة يغلب ذاك، فتكون النفس في مقام المجاهدة إلى أن يغلب أحد الباعثين، فتدخل في حزب الله أو حزب الشيطان. ثم غلبت أحد الباعثين على الآخر إما أن تكون في جميع مقتضياته أو بعضها، وتخرج من القسمين ثلاثة أحوال:
الأولى - أن يغلب باعث الدين على جميع الشهوات في جميع الأوقات.
الثانية - أن يغلب عليه الجميع في الجميع.
الثالثة - أن يغلب على بعض دون بعض في الجميع، أو يغلب عليها كلا أو بعضا دون بعض.
وقد أشير إلى أهل الحالة الأولى في الكتاب الإلهي بقوله تعالى:
(يا أيتها النفس المطمئنة... إلى آخر الآية) 21 وإلى الثانية بقوله:
(ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) 22 وإلى الثالثة بقوله: (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم) 23 فصل مراتب الصبر الصبر على المكروه ومشاق العبادات وعن ترك الشهوات، أن كان بيسر وسهولة فهو الصبر حقيقة، وأن كان بتكلف وتعب فهو التصبر مجازا. وإذا أدام التقوى وقوى التصديق بما في العاقبة من الحسنى،